(ما سيحدث) بكشف المسكوت عنه

علوان السلمان

النص الشعري اشتغال لغوي تتساوق في جمله العناصر المعبرة عن الجمال وكوامن الوجد.. كونه مغامرة تجريبية رائية ومتجاوزة للواقع بلغة الخيال الباعثة لنبض الحياة التي يحققها المنتج الذي يؤسس لفضاءات حالمة عبر التصوير والابتكار بلغة مشحونة بايحاءاتها الخالقة لصورها المستفزة لذاكرة المستهلك(المتلقي) والنابشة لخزانته المعرفية للاجابة عن اسئلتها باستنطاق صورها والكشف عما خلف الفاظها الرامزة وتشكلها الجمالي الرافض للتأطير والموقظ لمكامن الشعور..
وباستحضار النص الشعري بمقاطعه التسعة(ما سيحدث) المستل من بين دفتي المجموعة الشعرية(محو مؤجل) المنبثق من ذهنية مأزومة نسجت عوالمه المشهدية انامل منتجه الشاعر رزاق الزيدي واسهمت دار ينابيع في نشره وانتشاره/2017..كونه يولد من فكر متأمل.. وعلى وهج العاطفة المتوترة ينضج لانه يستنطق اسرار الآخر النفسية من خلال مقاطعه النصية المتكافئة والسابحة في بنيتين اساسيتين: اولاهما البنية اللغوية ..وثانيتهما البنية المعرفية..
اولئك..يوما ما
سنجمع نحن الفقراء
دموعنا
ونغرقهم

يوما ما
سنبدل قلوبنا بحجر
ونسد عليهم منافذ الجنة /ص12
فالشاعر تتجلى صوره في كونها قيمة اجتماعية وإرادة وموقفا انسانيا..اضافة الى قيمتها الجمالية الجاذبة..التي تكشف عن عاطفة انسانية متمردة تختلج في نفس الشاعر حتى انه يوظف الجسد(العيون بدمعها والقلوب بنبضها..) للتعبير عن انفعالاته والكشف عن مواقفه..كونه يجيد العزف على اوتار الجسد روحيا واشاريا ليخلق ايقاعا يستفز الذاكرة الذاتية (الانا) والمستهلك(الموضوع) الذي يستنطق عوالم النص ويكشف عن ابعاده(اجتماعيا ونفسيا وسياسيا..).. وعوالمه المتصارعة التي شكلت ابتداء من الاستهلال زخما من الالفاظ المتناقضة في دلالتها ومعانيها والمتناسقة في نسجها ووظيفتها..
يوما ما
سنكتم لهاثنا
ثم نزفره دفعة واحدة
ليموتوا اختناقا

يوما ما
سنتفق على شرب المحيطات
ليموتوا عطشا /ص13
فالنص على المستوى التخييلي يتجلى بتماهي الذات الشاعرة والذات الجمعي الآخر واخلاصها لوجودها الحياتي بتدفق وجداني منبعث من دائرة الوعي الشعري المؤطر بعوالمه الصورية ودلالاته الموحية بتقنيات جمالية و فنية واسلوبية يأتي في مقدمتها التكرار الدائري(يوما ما) الذي شكل نمطا صوتيا ودلالة نفسية يعلن من خلالها الشاعر عن مشاعره المكبوتة.. اضافة الى انه صار لازمة للنص فاضفى عليه موسقة باعثة للجمال الروحي بتوظيف اللغة المكثفة..الخالقة لصورها.. فضلا عن توظيف الرمز الاستعاري الذي هو اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة لغرض تصعيد التكنيك الشعري..اذ فيه تسمو التجربة الشعرية فتتحول الصورة الى رؤيا تستمد نبضها الدافق من الذاكرة الذاتية والموضوعية بتوليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي..
يوما ما
سنجمع افلاسنا
ونشتري سماء
بلا حراب

يوما ما
عندما نجوع تماما
سنخرج ونلتهمهم /ص14
فالنص بتزاحم صوره الموحية يتوق للتوحد والخروج عن الذات ليذوب في الآخر..برحلة شعرية متفائلة مكتظة بعوالمها الخصبة بالرؤى والاحاسيس باستعمال سين الاستقبال والفعل المضارع الدال على الحركة (سنجمع/سنبل/سنكتم/سنتفق/سنجمع/سنخرج/سننطلق/سيعرفون..).. باسلوب سردي شائق متكيء على التكثيف الجملي المبتعد عن الاستطراد الوصفي لخلق نص حسي..شعوري.. مكتنز بالعواطف المتغزلة روحيا..باجواء رومانسية محركة للحواس الشعورية.. بائتلاف الجمل والتناغم الصوري والايقاعي..الجمالي الذي يأخذ نسقه من عاطفة النص الغارقة في الوجد الذي يسبح الشاعر وسط عوالمه عبر فضاءات منفتحة على آفاق دلالية مشبعة بها الذاكرة الشعرية المنتجة لصورها المتجاوزة بحلميتها لتخلق خطابا شعريا يتكيء على فضاء دلالي عبر بنية يغلب عليها الانزياح الذي يكشف عن امتلاء المخيلة بالمعطيات الحسية..
يوما ما
سنطلق عواءنا
ونمزق آذانهم اللينة
يوما ما
سيعرفون كل هذا
سيصنعون محرقة لدنانيرهم
لينتحروا فيها ص14 ـ ص15
فالنص يتكىء على الترميز والاستفزاز وتجاوز المسكوت عنه الذي يظهر على شكل تحولات تنتهكها محنة الواقع بموجوداته لتحقيق فعل الكتابة بتعبيرها عن حالة نفسية مشحونة بشحنة ابداعية واعية كونها نوعا من(ممارسة الحرية)على حد تعبير سارتر..اضافة الى تعبيره عن هم انساني بمخيلة متدفقة تحول الفكري الى صورة تشكيلات متميزة حققت غناه واكتنازه الشعري وسياقه الدرامي القائم على تصادم متناقضاته الثنائية..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة