المؤثرات النفسية في(رجل لا يصلح للحب)

علوان السلمان

…لشاعر الخطايا بودلير (اذا كانت الارض والسماء سوداوين كالمداد..فان قلوبنا التي نعرفها هي ملآى بالاشعة)..الخالقة لبؤر الابداع التي تحقق التأثير بأثرها المستفز لذاكرة المستهلك(المتلقي) لتحثه على استنطاق ما خلف الصور المنتجة بالتحليل والتأويل ومن ثم الاجابة عن الاسئلة..
وباستحضار المنجز الشعري(رجل لا يصلح للحب) الذي انتجته ذاكرة الشاعر موسى بيدج ونسجت صوره المتخيلة..الكاشفة عن اعماق الذات المنتجة لابجديتها بمنهج فني يجمع ما بين الواقعي والتخييلي لتحقيق المتعة الادهاشية والجمالية من جهة والمنفعة الفكرية من جهة اخرى..
أحيانا
يأتيك صوت / تفتح الباب / لاترى أحدا
وتشعر كأن ظلا خفيا /يمر بجانبك
أحيانا
تحس بجدران الغرفة
صارت ناعمة كالحرير
وشرايينك /أصبحت خضراء
احيانا
ترى البحر /يعدو في الزقاق مسرعا
ويسأل منك /عن زورقه /ص40
فالنص تتحكم به قوى النفس الخالقة لمضامينه الموغلة في العمق الاجتماعي..اذ يحاول الشاعر بانفعاله الداخلي الذي هو انفعال نفسي يستحضر الحقيقة بذاتها التي تنقل اسراره في فضاء ايحائي يكشف عن اتفاق مع القيم الحياتية بشكل نفسي(سايكولوجي) يحقق امتزاج الرؤى الشعرية مع الرؤى الاجتماعية..فضلا عن اعتماده اساليب وتقانات فنية كالتكرار الدائري بوصفه اسلوب دالا على التوكيد وسمة شعرية بما تحمله من طاقات تعبيرية وايقاعية والتي شكلت لازمة النص لتقوية الصور الشعرية التي شكلت وعاء فنيا للغة الشعرية الناتجة من تفاعل التكثيف والايحاء والرمز لانتاج تركيب عقلي وعاطفي في لحظة من الزمن وتقديم تجربة شعرية تنطلق من الاطار الجزئي وتبلغ غايتها بنموها الذاتي..اضافة الى استحضار الرمز في اللمحة النفسية كونه يستنطق الظواهر وينال منها لاضفاء بعد جمالي من جهة ونبش ذاكرة المستهلك(المتلقي) من جهة اخرى..
كما النسيم الذي اغرم بصفصافة
كما الغيمة/ حين ترقص على سقف من خزف
وكما امي/تشتاق الى خيط وابرة وسماور مشتعل وتلاوة واغان
الامهات لا يذهبن بعيدا
كل ليلة/ ينظرن الينا بعين النجوم/ ويحيكن لنا من القمر قلنسوة
تقينا من البرد/ في المنام / ص16
فالشاعر في نصه يعبر عن جوهر الاشياء بلغة ايحائية اللفظ..متفجرة الدلالة المرتكزة على خصوبة المعنى لخلق مقاطعه الشعرية المتسمة بالوعي الفكري وهي تقوم على بنيات شكلية وايقاعية مبثوثة على امتداد الشبكة النصية المشهدية المتسمة بالزمكانية وحوار الذات ببناء يتجاوز النسق المتداول ويعتمد نصية حداثية توحي بنزعة درامية..فضلا عن انفتاحها على تقنيات السرد البصري الذي يستدعي المكان الوعاء الفكري للذاكرة والحافظ للفعل الشعري وانفعالات المنتج للصور المتوالدة من بعضها بمخيلة مكتنزة بالمعطيات الحسية التي يتفاعل معها المنتج(الشاعر) بوعي ولغة محكية عبر خطاب الذات ومناخاتها بايجاز وتكثيف جملي فيكشف عن حركة زمنية ومتغيرات شيئية من خلال التحكم بجزئيات الحكي ووضعها تحت سلطة التخييل باستخدام الفاظ بعيدة عن التقعر متفجرة بقدرتها الايحائية والانزياحية لتعلن عن وظيفتها الجمالية..
اذا جاء البحر/ لا تقولي/ اخلع موجاتك وادخل
فالبحر بلا موج/طفل أضاع عنوان بيته
اذا جاءت الغيمة
هنئيها على فستانها الصيفي المطير
اذا انحنت الصفصافة/ على شرفتك
انشري ابتساماتك يمامات لها
اذا رن الهاتف/ اعلمي/هناك رجل يغني
اسمه: انا
عنوانه:أنت /ص28
فالنص يفيض بتراجيدية سردية وحوار ذاتي(منولوجي) مهموس بصور متعددة في اطار(فزيولوجي) كأنه وجود حسي مع اعتماد على المحسنات اللفظية والصور البلاغية والكنايات….اضافة الى ان المنتج اتخذ حوار نام معتمد الايحاء والصور داخل جسد التجربة المترابطة مقاطعها بوحدة عضوية وهي تؤكد ان الشعر الدائم هو الذي ينفذ الى ما وراء دائرة الوعي.. فضلا عن توظيف اللون الذي اسهم اسهامة فاعلة في الكشف عن مقومات في مجال القيم اللونية الجمالية والتعبيرية والرمزية كونه عنصرا من عناصر التكوين التي تعد دالا على القيم الروحية والمادية…
وبذلك قدم الشاعر نصوصا ميزتها علامتان مضيئتان:اولهما البنية الدرامية وثانيهما اللغة اليومية المنطلقة من ضمير المتكلم(انا) فسجل حضوره الواعي المنسجم مع تنامي المؤثرات النفسية والحسية في مجمل تعبيراته النصية..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة