معضلة الباكستان

ريتشارد هاس
مدير تخطيط السياسات السابق في وزارة الخارجية الأميركية
لقد قيل أن هارولد براون وهو وزير الدفاع الاميركي آبان فترة حكم الرئيس جيمي كارتر قد وصف سباق التسلح بين الولايات المتحده والإتحاد السوفياتي بهذه العبارات : «عندما نبني هم يبنون وعندما نتوقف عن البناء ، هم يبنون «.
إن وضع العلاقات الحالية مع الباكستان حسب المنظور الاميركي يشبه ذلك القول إلى حد كبير فعندما ندعم الباكستان ، هم يقومون باشياء لا نحبها وعندما نعاقب الباكستان ، هم يقومون بإشياء لا نحبها.
إن الماضي حسب المنظور الباكستاني يتألف في معظمه من قصص الخيانات المتعددة حيث تقوم الولايات المتحدة بالإقتراب من الباكستان لفترة ما ومن ثم تقطع المساعدات عنها عندما يحين الوقت المناسب حسب ما يراه القادة الأمريكان فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة الاميركية بتسليح المجاهدين الذين قاتلوا السوفيات في أفغانستان المجاورة في الثمانينيات ولكنها تخلت عن المنطقة بعد وقت قصير من الخروج العسكري السوفياتي سنة 1989 ولكن هذا الطرح الباكستاني يتعمد إغفال نقطة أن تطوير الباكستان للإسلحة النووية والذي شكل انتهاكا للقانون الاميركي وهو الذي إستلزم سحب المساعدات.
لقد تم إستئناف معظم المساعدات الاميركية في السنوات اللاحقة ولكن إنعدام الثقة المتبادل بقي وهذا يعود جزئيا إلى أن الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني (من المحتمل بمعرفة الحكومة)عمل على مساعدة البرامج النووية لليبيا وكوريا الشمالية وإيران وتشجيعها.
لقد تحسنت العلاقات بين البلدين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر حيث وجهت إدارة الرئيس جورج بوش الإبن إنذارا نهائيا للحكومة الباكستانية وهو الإختيار بين علاقتها مع الولايات المتحدة الاميركية وعلاقتها مع طالبان والتي فتحت الأراضي الأفغانية للقاعدة. لقد وعدت الباكستان بإن تكون شريكة في الحرب على الإرهاب حيث تمت مكافآتها سنة 2004 عندما تم عدها « حليفا رئيسيا من خارج حلف الناتو « مما أهل الباكستان للحصول على بعض من أكثر المعدات والتقنيات العسكرية تطورا .
واليوم هناك رئيس اميركي أخر يشعر بالإحباط من الباكستان ولكن عوضا عن إبلاغ الرسالة خلف الأبواب المغلقة في واشنطن أو إسلام أباد ، إختار دونالد ترامب أن يقول وبشكل علني «أن الولايات المتحدة قد قدمت بغباء للباكستان أكثر من 33 مليار دولار اميركي على شكل مساعدات خلال السنوات الخمس عشرة المنصرمة ولم يقدموا لنا شيئا بالمقابل سوى الكذب والخداع وكأنهم يعتقدون أن قادتنا هم مجموعة من الإغبياء . لقد قدموا الملاذ الآمن للإرهابيين الذين نقوم بمطاردتهم في أفغانستان من دون مساعدة تذكر ، إن هذا يجب أن يتوقف.»
لو سألوني –علما أنه لم يتم سؤالي – لكنت قد أوصيت بنقل مثل هذه الرسالة من خلال القنوات الدبلوماسية لإن النقد العلني والمشحون سيصعب الأمر على الباكستان لتغيير مسار سياستها-على إفتراض أن ذلك هو الهدف الاميركي- خشية من أن ينظر إليها كدولة عميلة كما لكنت عارضت كذلك قطع العلاقات الأمنية وأيدت ربط الدعم الاميركي بإفعال باكستانية محددة.
إن الخطأ الكبير الذي إرتكبته الولايات المتحدة الاميركية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر هو التعامل مع الباكستان وكانها دوله حليفة لإنه مع الدول الحليفة فإن من الممكن الإفتراض أنه هناك درجة كبيرة من تداخل السياسات ولكن مع الباكستان لا يوجد مثل هذا الإفتراض.
تمتلك الباكستان واحدة من أسرع الترسانات النووية نموا وهي موطن بعض من اكثر الارهابيين خطورة على مستوى العالم (بما في ذلك ولبعض الوقت أسامة بن لادن ) وكما ذكر ترامب فهي توفر الملاذ لطالبان والتي تفعل ما بوسعها لزعزعة الإستقرار في أفغانستان . إن السياسة الباكستانية لا تهدد خمسة عشر عاما من الجهود الاميركية في افغانستان فحسب ولكن أيضا حياة الآف الجنود الاميركيين الذين ما زالوا متمركزين هناك.
لكن حتى علاقة محسوبة وتبادلية بشكل أكبر لن تؤدي إلى جعل الولايات المتحدة الاميركية أقرب للباكستان وهي دولة ديمقراطية بالإسم فقط وذلك نظرا للهيمنة السياسية للأجهزة العسكرية والإستخباراتية فيها فالباكستان تريد أن تلعب طالبان دورا مهيمنا في افغانستان وهذا شيء لا تريده الولايات المتحدة الاميركية لإسباب عديدة.
بالإضافة إلى ذلك قامت الولايات المتحدة الاميركية في السنوات الأخيره بتعزيز علاقاتها مع المنافس الرئيسي للباكستان الهند علما أن الكثير من الزخم الإقتصادي والإستراتيجي اليوم يعزز من تلك العلاقة . لقد أصبحت الصين وبشكل متزايد الحليف الطبيعي للباكستان وهي تستثمر بالفعل وبشكل مكثف في البنية التحتية الباكستانية كما أصبحت مصدرا رئيسا للمعدات العسكرية. إن الصين كذلك تشعر بالقلق من الهند والتي ستتفوق عليها قريبا في حجم السكان كما أصبحت منافسا إقتصاديا وإستراتيجيا لها علما أن هناك نزاعات حدودية بينهما.
لكن يجب أن لا تقوم الولايات المتحدة الاميركية باستبعاد الباكستان فالأوضاع السيئة يمكن أن تزداد سوءا واليوم الباكستان هي دوله ضعيفة وغدا يمكن أن تصبح دولة فاشلة وهذا قد يشكل كابوسا إقليميا وعالميا وذلك نظرا لوجود الأسلحة النووية والإرهابيين .
وهكذا يجب أن يستمر الدعم الإقتصادي والإنساني بالتدفق على الباكستان ولكن بمراقبة لصيقة لكيف تنفق تلك الأموال فربما بعض التعاون المحدود في مواجهة الإرهاب في أفغانستان قد يكون ممكنا وحتى نقلل من فرصة نشوب حرب بين الهند والباكستان ، يتوجب على الولايات المتحدة الاميركية أن تستمر في العمل مع الهنود والباكستانيين لتقوية علاقتهم (والتي ما تزال أقل تطورا بكثير مقارنة بالعلاقات الاميركية السوفياتية في ذروة الحرب الباردة ).
ربما سيكون من المنطقي بالنسبة لباكستان أن تصبح جزءا إعتياديا من الاجندة الاميركية الصينية فالولايات المتحدة الاميركية والصين تناقشان سيناريوهات مختلفة على شبه الجزيرة الكورية تتعلق بقواتهما والاسلحة النووية وانعدام الاستقرار المحلي . إن إجراء محادثات تتعلق بكيفية تجنب حدوث أزمه تضم الباكستان وكيفية إدارة مثل تلك الأزمة في حال فشلت الوقاية هي أيضا مسألة ملحة كذلك.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة