سايمون هندرسون
2 – 2
توضّحت الفجوة بين الخطابة والواقع عندما سافرتُ من المنامة إلى أبوظبي على متن إحدى طائرات شركة الطيران الوطنية في البحرين، «طيران الخليج». وأظهرتْ الخريطة المتحركة على ظهر المقعد أمامي أن الرحلة تمر عبر شمال قطر. ولا بدّ من الإشارة إلى أن البحرين تحظر مرور طائرات «الخطوط الجوية القطرية» في مجالها الجوي ولكنها وضعت استثناءاتها الخاصة فيما يتعلق بالحركة الجوية مباشرة بعد إعلان الحصار، وذلك للحد من أي تأثيرات مضرة بها. وبالمثل، فعلى الرغم من تجميد العلاقات، لا يزال تكييف الهواء والإنارة مستمرّين في دبي لأن قطر تواصل تصدير الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية الإماراتية.
وقد طلبتُ من بعض أبرز الخبراء المراقبين لشؤون الخليج في المنطقة تفسير توقيت وشدّة الأزمة التي اندلعت في أواخر أيار/مايو بعد أيام قليلة من إشادة ترامب بوحدة الخليج في قمة الرياض. وأجمعوا على أن الأزمة كانت لتندلع في أي وقت لأن الجانبين كانا يستعدان للمواجهة. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن لسان مسؤولين أمريكيين لم تكشف عن أسمائهم أن الإمارات العربية المتحدة كانت قد علِمَت قبل أسابيع عن كيفية قرصنة «وكالة الأنباء القطرية» لبث أخبار زائفة موالية لإيران. وعلى نحو مماثل، تعرّض حساب البريد الإلكتروني (Hotmail) الخاص بالسفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة لاختراق على يد قراصنة يعملون لصالح قطر. (وتوخياً للإفصاح الكامل: تشمل مجموعة حديثة من رسائل العتيبة الإلكترونية المقرصنة ملفاً مضغوطاً يتعلق بكاتب هذه السطور. فقد أفسد الملف الذي يحمل اسم «سايمون هيندرسون» (Simon Hinderson) لحظة مجدي كما يُقال. ولكن بعيداً عن الخطأ الإملائي لا يبدو أن المضمون مضرّ بأي منا. فمستشار العلاقات العامة التابع له يشكو مما أكتبه وهذا رأي أنا مستعد للعيش معه).
ويكمن أحد العوامل الرئيسية لمعرفة مدى استمرار الأزمة في درجة الضرر الاقتصادي الذاتي. ويفيد المحللون أن قطر عرضة لأن تصبح ضعيفة: فما يزال أمام الدوحة الكثير من العمل الذي يتعين عليها القيام به استعداداً لاستضافة «كأس العالم لكرة القدم» عام 2022. وقد توقف استيراد مواد البناء، ولكن المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية لا تزال تأتي عبر إيران، وكذلك الكويت وعُمان. ويعاني اقتصاد البحرين من عجز مقلق في الميزانية، ولكن السعودية ستخفّف من أثر أي خسائر. وستستضيف دبي، المدينة الثانية في الإمارات، معرض «إكسبو 2020»، ويُعتقد أن حاكمها الشيخ محمد بن راشد يشعر بالقلق من الضرر الذي ستلحقه أزمة قطر بـ «براند دبي» – وهو الطابع الفريد المرسّخ بعناية لإمارة تستقبل الأجانب من مخلف أصقاع الأرض في مكان يتّسم بالمرح والسلام والأمان. وأما السعودية، التي شكّلت في السابق ممراً للنقل البري القطري، فقد أغلقت حدودها. وإذا كانت الشركات السعودية تعاني من عواقب هذه الإجراءات، فهي تلتزم الصمت حول هذا الموضوع.
ويمكن القول إن الأمر يتوقّف على من يرضخ أولاً من اللاعبين الرئسيين، أي محمد بن سلمان أو محمد بن زايد أو الأمير تميم. ويُعتبر محمد بن سلمان، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً فقط، شديد الثقة بنفسه بشأن جميع خياراته السياسية. ولكن في النهاية قد لا يرغب في عرقة ما يعتبره بوضوح كحقه الطبيعي، أي العرش السعودي. ومحمد بن زايد الذي يبلغ من العمر 56 عاماً فهو إذاً أكبر سناً وأكثر صرامة ولكنه قد يتعرّض للضغط من قبل حاكم إمارة دبي محمد بن راشد. (ومن بين الرجلين، يُعتبر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد اللاعب الأكثر أهمية، على الرغم من تفوق السعودية من ناحية الحجم والثروة). أما أمير الدوحة تميم الشاب أيضاً فيبلغ من العمر 37 عاماً ولكنه قد يرغب في التخلّص من الظل المهيمن لوالده. وقد يمنح تشجيع الأمير الوالد على قضاء المزيد من الوقت في جزيرته اليونانية الخاصة أو على متن يخته حرية مناورة أكبر لتميم من دون مظاهر الإذعان. (ويشير أحد محللي الخليج إلى عامل هام آخر ولكنه لا يبشر بالتوصل إلى حل سريع ويقوم على والدات اللاعبين الرئيسيين الثلاثة اللواتي يُعتبرن متشددات في رغبتهن في حفاظ أبنائهن على الشرف الوطني – وإرث أزواجهن).
ولكن بما أن الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة للرياض يزيد من اللوم الملقى على عاتق إدارة ترامب بسبب ظهور المجاعة وانتشار الكوليرا الواسع النطاق في اليمن، يبدو أن الأزمة الخليجية تُشتت الانتباه عن التهديد الأكبر الذي تمثّله إيران. (على الرغم من الادعاءات السعودية والإماراتية، فإن قطر أبعد ما تكون عن كونها حليفاً لإيران). وبالفعل يُنظر إلى الفوضى القطرية في واشنطن والعواصم الأوروبية كمسايرة صبيانية تقريباً. ومع ذلك، فإن الدبلوماسية متوقفة. ولا يبدو حتى أن احتمال انعقاد القمة المقبلة لدول «مجلس التعاون الخليجي» – حيث سيجتمع قادة السعودية والامارات والبحرين وعُمان والكويت وقطر – قد يُرغم على اتخاذ إجراءات. إن الرابحين الوحيدين حتى الآن هم مجموعات الضغط التي تجني أموالاً طائلة من خلال تقديم المشورة، ووضع الاستراتيجيات، وإعداد مواقع المعارضة الإلكترونية ومؤتمراتها. ولم تبدو عبارة «قطاع الطرق» التي تُطلق على هذه المجموعات أكثر ملاءمة من الآن. ويظن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أن باستطاعتهما الانتظار وإرغام تميم على تقديم تنازلات، حتى لو كانت مؤلمة. وفي غضون ذلك يتحرّق مستشاروهم شوقاً لاحتمالات الحصول على مكافآت كبيرة في نهاية العام وربما في عام 2018 أيضاً.
*سايمون هندرسون هو زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.