هل يعني ظهور أبو بكر البغدادي و اعلان دولته الإسلامية بداية الحرب العالمية الثالثة؟

في الوقت الذي يستذكر العالم بألم اندلاع الحرب العالمية الاولى, ظهر خليفة ما تسمى بالدولة الاسلامية، الذي نصب نفسه، والمدعو ابو بكر البغدادي, للمرة الاولى في الجامع الكبير بمدينة الموصل في شمال العراق. و ضمن خطبة دينية متقدة ادعى من خلالها زعماته للعالم لأول خلافة اسلامية في العالم منذ العام 1924, فأن هذا الكلام يعني بطبيعته اعلاننا للحرب على مجمل العالم غير الاسلامي. عبر ارجاء العالم, لاسيما في اوروبا و اميركا, استقبلت كلمات البغدادي بالسخرية و الازدراء. لكنني كنت لأدعو الى رد اقل رفضا و اكثر تحليلا بالمقابل.

الخليفة البغدادي ضمن خطبته، أوضح بما لا يقبل اللبس إن تشكيل الخلافة الاسلامية ليس سوى وسيلة للوصول الى النهاية, تلك النهاية المتمثلة بالوحشية و الانتقام. و بحسب كلمات الخليفة الجديد انه قال “بقوة الله, سوف ننتقم. و حتى لو تطلب الامر وقتا, فلسوف ننتقم. و إن اي قدر من الاذى سيقع على الامة لسوف يدفعنا للرد عليه و على المجرمين الذين ارتكبوه”.

اذن, من هم اهداف البغدادي ضمن حملة الكره القادمة يا ترى؟. بوجه عام, يعرفهم الخليفة الجديدة بأنهم الصليبيون و الملحدون, و معهم حراس اليهود. فضلا عن هولاء, فهم حكام العالم الاسلامي السياسيون الذين يعتبرهم البغدادي عملاء للأعداء ويجب استهدافهم. و يشمل هذا الكلام كذلك المدافعين عن الديمقراطية والتعددية في العالم الاسلامي, لاسيما إن هذه الافكار تتناقض و رؤية البغدادي للعالم و (ارادة الله التي ترسمها خطوط الشريعة الاسلامية) حسب قوله.

كان معظم الهجوم الذي شنه البغدادي مكرسا للتصريح عن المظالم التي يعانيها العالم الاسلامي المعاصر, هذا العالم الذي يتحرق حماسة, حسب وجهة نظر البغدادي الصارخة, يتحرق للانتقام العنيف. و قد وردت اكثر من 20 اشارة محددة في خطبة البغدادي, حيث فاجئنا بترتيب الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالمرتبة السابعة بينها, عدا عن قضايا بورما وكشمير والفلبين والبوسنة والقوقاز. اما الدول المعتدية, فقد اشار البغدادي الى انها روسيا والهند والصين فضلا عن فرنسا التي تفصل قوانينها بين الدين والدولة, وتفرض حضرا على الحجاب الاسلامي للمرأة.

كما اشار البغدادي الى ايران كعدو لدود للإسلام, حيث قال إن “نظام حكمها الشيعي يعتبر مرتدا ومهرطقا”, و هو ما اعتبره البغدادي مصدر كل الاساءات ضد الاسلام و اتباعه.

حسب فقه الشريعة الاسلامية وتعالميها, فأن الحرب المقدسة المعروفة باسم الجهاد يمكن إن تشن ضد الكفار والمرتدين. كما إن توسيع المنطقية الثيوقراطية للبغدادي في شن الحرب باسم الله يعني تقسيم العالم الى دار للإسلام و دار اخرى للحرب, حيث تشمل الثانية الكفار و المرتدين. و بطريقة دراماتيكية, دعا البغدادي اتباعه للجهاد تحت قيادته لنشر الاسلام واخذ الثأر من كل ما يقع على الارض خارج حدود دولة الخلافة الاسلامية الجديدة.

في واقع الحال, سيكون هنالك توجه لتجاهل البغدادي او استصغاره في معظم ارجاء العالم. لكن, بصرف النظر عما يتصوره المرء من اسلوبه الوحشي في ادارة الحرب, و افتقاره للإنسانية بالمطلق, فأنني اعتقد إن النظر اليه بموضوعية سيكشف عن حقيقة لا يمكن نكرانها, حقيقة تتمثل في إن ابو بكر البغدادية يتمتع بشخصية كارزمية بشكل واضح, فضلا عن قدرته على تولي زعامة حركة الجهاد الدولي في المرحلة القادمة.

يصح القول إن مفاهيم التطرف ليست حكرا على الاسلام و حسب. ففي العصور القديمة, شُنّت معظم الحروب الدينية البشعة والهمجية باسم المسيحية. و لنا إن نذكر إن القرن السابع عشر شهد حربا دامت لأكثر من ثلاث عقود بين البروتستانتيين و الكاثوليك اتت على اكثر من ثلث الشعب الالماني بمجمله. و في العام 1850, قال رجل الدين الصيني المتطرف, هونغ زيوكوان, قال انه مقتنع بأنه شقيق المسيح, و إن الرب اختاره لنشر المسيحية بحد السيف في الصين, الامر الذي دفعه الى القيام بما يعرف بتمرد تايبينغ. و عندما تم سحق التمرد في النهاية بحلول العام 1864, كانت المحصلة النهائية لضحايا الصينيين تتراوح ما بين 20-40 مليونا من البشر, الامر الذي يصنف تلك الحرب الدينية كثاني اسوء صراع عسكري دموي في التاريخ. و لنا إن نذكر إن تلك الحرب حصدت ارواح ضحاياها بجملة من اكثر الاسلحة بدائية بالمقارنة مع المعايير الحالية لعالم اليوم العنيف و اساليبه المتقدمة.

إن دروس التاريخ وحدها يجب إن تجبرنا على إن ننظر الى وعود الخليفة البغدادي بشن حربه الضروس على العالم اجمع بغية الانتقام ممن صنفهم على انهم اعداء الله, إن ننظر الى تلك الوعود ببالغ الجدية والاهتمام. و لربما كانت خطبة البغداد في الموصل العراقية بمثابة المشهد الافتتاحي للحرب العالمية الثالثة, و ربما الصراع الديني الاكثر ضراوة و شراسة منذ تمرد تايبينغ الصيني قبل اكثر من قرن و نصف من الزمان.

بقلم شيلدون فيلغر “جريدة هفنغتون بوست”

ترجمة الهادر المعموري

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة