سعد القصاب
يفترض النقد الفني ضرورته، بوصفه خطاباً وممارسة كتابية تواكب مغامرات الخبرة التجريبية للفنان، وأدائيتها في العمل الفني محاولة منه في إيضاح أو اكتشاف بعدها التعبيري الدال، كي يجعلنا نفهم ما نشاهد من انجازات تحفل بكل ماهو ابداعي وجمالي. من هنا تتأتى أهميته كإجراء ثقافي يقيم علاقة تعقبية تتوسط المنجز الفني والمتلقي لاستيضاح هذه الممارسة الخلاقة.
وقد تحددت وظيفة النقد كإجراء تقديري وقيمي واتصالي تجاه التجارب الفنية التي يتعرض لها. وعبر توصيف طابعها الفريد، وتثمين خصوصيتها وتعيين تطلعاتها، وباعتبار كل قراءة هي شكل خاص من انتاج المعنى. وبأثر ذلك سيكون كل نقد هو إضفاء صفات تميز العمل الفني، وتوّجه المبدع، وتنظر الى كل تجربة بكونها خبرة حوارية تدعو الى التواصل والمشاركة.
تعزز هذا الفهم مع تلك الأدوار والتحولات التي رافقت العمل الفني سواء في نسخته الحديثة أو المعاصرة، وبكل ما تحفل من غموض وايهام وأسئلة جمالية بعضها كان شديد التعقيد ومفارقاً لكل وضوح. من هنا تعددت الوظيفة الاجرائية للنقد الفني وانتقاله الى ممارسة مضافة تسعى لاستيضاح غموض التجربة الفنية وتأويلها والكشف عن مغزى تطلعاتها الفنية والذوقية.
وعبر حقيقة التحولات العاصفة التي لحقت بالفن، كان النقد مواكباً لمثل هذه التغيرات واستحداث عملية فهم مناسبة لها. من هنا يمكننا القول أن أكثر التجارب الفنية سواء الحديثة منها أو المعاصرة قد تغلفت بآراء النقاد بل وأصبح عالم الفن لاينفصل تماماً عن الوعي النقدي الموجه اليه.
لذا لم يعد النقد الفني تمثلاً نظرياً وقصدياً يملي رغباته الثقافية أمام العمل الفني قدر عدّه محاولة دائمة لتفسير ظاهرة جمالية وفنية مبتكرة، تعلن عن وعيها الجديد ومهمتها المغايرة. خاصة ان الفن اليوم لايخلو من فعل مقاومة لأساليب سابقة عليه، ماجعله يتعرض لسوء فهم لطريقة تلقيه، وخدش للعلاقة القائمة مع جمهوره.
من هنا كان النقد يعاين اهتمامه الشامل بالفن ضمن فضاء حداثته الخاص به. وباتجاه أثره الجمالي ومقصده الثقافي والفكري، وتوسله الدائم للكشف عن المعنى الذي يخبئه العمل الفني بين طبقات تجربته وتقنياته من أجل اعادة علاقة فاعلة مع المعاني التي يفترضها الفن بدلالته الانسانية، والتي تشير دائماً من أن ثمة مضامين خلاقة باقية، هي في صلب كل تجربة فنية متفردة.
لم يعد يحضر النقد الفني كي يعوّض الوضوح الذي ضحى به الفن، قدر حضوره بمستوى ممارسة تتعاطى الخبرة الجمالية مع التجارب الفنية في عالم اليوم. كما علينا ان نقرّ من أن دوراً كهذا قد تحقق جراء استفادته من مجالات جديدة في التفكير، هي تلك المتأتية من نظريات النقد الجديدة الساعية الى اكتشاف الامكانات المتعددة للتجربة الإبداعية وتطوير إدراكنا لها. وحيث يبقى كل فهم مضاف، هو أيضاً، فهم جديد.
لذا أصبحت أية علاقة يمارسها النقد هي مشاركة قائمة بين موقفه الثقافي وفرادة العمل الفني، واللذان عليهما معاً أن يعرّفا بغايات وأهداف أخرى للفن.