عناصر الميليشيات يتراجعون عن مهاجمة “أخوالهم”
الرمادي ـ الصباح الجديد:
لم يصدق سجاد إنه إن عمله مع الميليشيات المسلحة سيجعله يقاتل أخواله المسلحين مع العشائر السنية وأنه قد يُقتل على يد احدهم أو العكس.
سجاد عبد الحق الذي لم يتجاوز ربيعه السابع والعشرين انضم لعناصر إحدى الميليشيات، بعدما عجز عن الحصول على فرصة عمل حرة، لكن ما يميّز سجاد وعدد غير قليل من أقرانه في التنظيم هو اختلاط دمائه بين “السنة والشيعة”، فرغم انتماءه لقبيلة “البهادل” الشيعية إلا إن أمه تنتمي لقبيلة “دليم” السنية.
جاءت الأوامر لسجاد بالتوجه للقتال في الأنبار مع أقرانه في مليشيا العصائب، فحاول التملص من تلك المعركة بسبب معرفته المسبقة بأنه سيواجه أخواله الذين يقاتلون مع الطرف الآخر إلا أنه لم يفلح.
“الأوامر هي من أجبرتني على خوض تلك المعركة وأنا أشعر بالعار” بهذه العبارة يشرح سجاد شعوره الشخصي.
“زين العابدين” صديق سجاد يعاني هو الآخر من المشكلة ذاتها حيث انزوى في غرفته على مدى أكثر من شهر وانعزل عن العالم الخارجي بسبب سوء حالته النفسية بعدما شاهد جثة صديقه القريب هناك.
وقف زين عابدين بعد انتهاء إحدى المعارك على جثة أحد مقاتلي الفصائل السنية من أهالي المنطقة فدمدم بصوت عالٍ “من هذا يا الله؟ سأتأكد من هويته.. نعم أنه هو صديقي نبيل حاشوش”.
عندما دخل زين العابدين جامعة البصرة جنوبي بغداد عام 2000 للدراسة فيها التقى صديقه نبيل الذي شاطره غرفة القسم الداخلي، فكان من أقرب أصدقائه على مدى السنوات الأربع التي قضاها هناك حتى تفرقا بعد التخرج ليلتقيا مرة أخرى احدهما قاتل والآخر مقتول في ساحة المعركة.
أبو مؤمل المكصوصي أحد قادة العصائب، توحي ملامحه الخشنة للوهلة الأولى بارتباطه بالريف حيث كان يرتدي زياً مدنياً ظهرت أسفله قبضة مسدسه التي لا يمكن إخفائها تحت قميصه المتدلي فوق سرواله.
يقول “أبو مؤمل” أنه من المعروف على المليشيات الشيعية أنها “جيوش عقائدية” تدافع عن “المذهب الشيعي” والشيعة إلا ان هناك عدد غير قليل من المقاتلين ينتمي “أخوالهم” للطائفة “السنية” ومن محافظة الأنبار بالتحديد بحكم قربها من بغداد أو ممن لديهم أصدقاء مقربين في تلك المناطق.
يتحدث أبو مؤمل عن قصة أحد عناصر الميليشيا ليستشهد بها على حديثه، ويدعى محمد الكناني حيث التحق بالعصائب وهو بعمر 19 عاماً وتمرَّس على القتال بعد تدريبات تلقاها في إيران حيث زُج به للقتال في مناطق النعيمية والزيدان لكنه طلب التوقف عن القتال بعدما تم نقله للقتال في قضاء الخالدية.
ويقول “لم أكن أعرف سبب طلب محمد العودة إلى بغداد في بادئ الأمر حتى اتصل بي والده ليخبرني إن محمد لديه ثمانية أخوال يسكنون الخالدية التي كنا سندخل معارك فيها وأنه قضى نصف عمره هناك حينها فقط سمحت له بالعودة إلى العاصمة”.
“ترسخ العاطفة بتركيبة الفرد العراقي جعله يتأثر بالقرابة العشائرية” يقول الخبير النفسي عادل الكيلاني خلال حديثه لـ”نقاش” عن الآثار النفسية للحروب الأهلية.
فبالرغم من مصاحبة الحروب الأهلية حالات من “الخدر الوجداني التي تبعد الفرد عن التأثر بالصدمات إلا إنه من الصعب انتزاع عاطفة القرابة لديه” يضيف الكيلاني.
ويشخص الكيلاني ما حدث لـ”زين العابدين” نتيجة تلقيه لتلك الصدمة هو إصابته بحالة ذهان ورهاب ويمثلان اضطراباً عقلياً ينسحب فيه الفرد بطريقة ما من عالم الواقع لينشئ عالمه الخاص ويصيبه الخوف والهلع من شيء مجهول، ويتكونان نتيجة لصدمة معينة والتي قد تؤدي للبارانويا”.
“سجاد قناص جيد لذا لن نقبل بإبعاده عن ساحة المعركة، وعابدين حظه عاثر، ومحمد خدمته قرابته من أحد قيادي العصائب فأعدناه، لكننا لن نسمح لأصحاب الدماء المختلطة بعصيان الأوامر” يختتم أبو مؤمل حديثه.