صادق باخان
ابتسم الحظ لي فلم اتحول الى جثة متفحمة على جبهات الحرب العدوانية الظالمة التي شنها الدكتاتور على جمهورية ايران الاسلامية ، لم اكن اتصور ان اضع خوذة فوق رأسي واحتذي جزمة سوداء قبيحة او ارتدي بزة كاكية واللون الكاكي هو من ابشع الالوان عندي انا المهووس بالبحر واللون الازرق في لوحات موديلياني بل كنت اندهش من مشاهدة اعمال هنري مور الذي صور فيها المرأة بهذا الحجم الضخم وكان ذلك احتفالاً بوجود المرأة .
الشاعر روبيرت غريفز كان كلما تمر امرأة من امامه يحبها ، ويروى ان تشايكوفسكي رأى امرأة بالغة الجمال فراح يلاحقها حتى علم مكان منزلها وكان وهو في الخمسينيات من عمره ينتظر مثل مراهق خروجها من منزلها ليلاحقها لمجرد ان يشاهد تموجات جسدها الباذخ في الجمال .
الشاعر بيتر كرينغ ، وهو شاعر ابيض من جنوب افريقيا قال بانه كتب كثيرا من اجل فتاة زنجية كانت رقيقة ومعذبة وتعمل في سوبرماركت ولم تكن لتصدق ان شابا ابيض يبتسم لها وكان هو يبتسم ويبتسم لها حتى اعطته شفتيها فشعر اذ ذاك كأنها اعطته افريقيا كلها .
الحياة في زمن الكهولة يتحول الى قيلولة الثلج وحين يذوب الثلج تتحول حياة الكهل الى صحراء التتار وينتظر تلك اللحظة حين يسكت قلبه ، نموت نحن فلماذا لا يموت الموت؟
كان بوريس باسترناك يقول بأن عمره بدأ في قطار ولذلك نجد للقطار في روايته دكتور جيفاكو وجوداً ، وقال الشاب الثوري ذو الوجه الشمعي بان الثورة لم تعد تؤمن بالمشاعر الشخصية ، لارا عشيقة جيفاكو ضاعت في الزحام الستاليني وتحول جيفاكو الى كائن خشبي في زمن البابوات الحمر وراح جدانوف يبعث بالشعراء الى ارخبيل الغولاغ.
قرأت حديثا للياباني ياسوناري كاواباتا في العام 1990 في المنفى واتذكر منه قوله بان قطرات المطر على سطح الصفيح اشبه باقدام الشيطان وكان يخاف كثيرا من المطر قبل ان يصبح صديقه ( ولم يعد لي من صديق سوى المطر ) هكذا قال وكان التصاقه بالنافذة يبدو كأنه التصاق ابدي – اه ، لو اموت ووجهي يعيش كل حيرة الزجاج ، ومن خلال الزجاج كان يجري حوار وكان المطر يدعوه الى العشاء ، هكذا بدأت حياته وهكذا انتهت ، ايها السيد غودو هل انت الموت ؟
كان همنغواي يقول بانه يشعر بالعزلة في الشتاء ( اه ، كم تمنيت لو ان الريح تكون زوجتي ، لا فراش يتسع لنا ولا تاوهات تنتهي بعد دقائق قليلة في العتمة ، زوجتي الريح تفتح باب الجبل وتقول لي – يمكنك ان تستعمل جسدك هنا الى الابد )
مارغريت يورسنار تحدثت عن الكهولة فقالت بان الاشياء مثلنا تصبح طاعنة في السن والغيوم مثلنا تصبغ شعرها وتستعمل احمر الشفاه والعمر يحترق مع الحطب في المصطلى . هكذا يحترق الشعراء في كهولتهم ويتمنون لو ان بوسعهم يقبلون امرأة فيشعرون اذ ذاك كأنها تعطيهم افريقيا كلها فلربما يعودون الى الحياة .