لا يقوم إقتصاد متطور من دون وجود نظام مصرفي متطور. وبرغم ان اقصادنا ما زال يتأرجح بين دستور وتصريحات وشعارات تتحدث عن الاقتصاد الحر، وعقلية وممارسات تنم عن تمسك بالاقتصاد الموجّه ، الا ان حركة السوق تشهد نموا أصبح معها تطوير آليات العمل المصرفي ضرورة ملحّة.
حركة أموال كبيرة من دون وجود مصارف بآليات سهلة وعدد كاف يستوعب الحاجة ويقلّص من ظاهرة تبادل الاموال المباشر والاحتفاظ بالنقود في البيوت والمكاتب. في دول عديدة ومنها مجاورة للعراق ، يقوم البنك بانجاز المعاملات المالية للافراد مخففا عنهم عبء المراجعة. يسلم الرواتب ويسدد الفواتير ويشجع على التوفير الفردي عبر تبسيط الاجراءات بما يمكن كل ربة بيت من وضع ما وفرته من قروش من مصروف البيت اليومي دون حرج، أو إنتظار .وفي الدول الاكثر تقدما، لا تحتاج حتى الى مراجعة البنك بل تنجز أغلب معاملاتك عبر هاتفك الذكي وشبكة الانترنت.
عندنا، تشكل مراجعة البنك عبئا كبيرا، واستنزافا للوقت والجهد. أفضل مصارفنا، وأقربها الى المقاييس العالمية، تتطلب عملية فتح حساب فيه، إجراءات لا تقل تعقيدا عن إجراءات طلب يد فتاة من أهلها . في تلك تأتي بـ»المشية» التي تضم الوجهاء والاعيان المعروفين لدى والد العروس ليقوموا بتزكية الشاب الخاطب، وفي مصرفنا المتطور المنشأ بعد 2003 لتلبية حاجة الاقتصاد والتجارة ، يتطلب فتح حساب فيه الاتيان بـ «مشية « أيضا قوامها واحد أو أكثر من العملاء الموثقين في هذا المصرف ليقوموا بتزكيتك . وعندما تطلب بطاقة سحب آلي، ياتيك الجواب: هذه تحتاج الى إجراءات أخرى، ودفع مبلغ كبير مقابلها، فيما يشكل الحصول عليها – ومن دون مقابل – نتيجة طبيعية لعملية فتح حساب لا تستغرق أكثر من دقائق في بلدان أخرى.
أما في مصارفنا «الوطنية» العريقة فالامر أكثر كاريكاتيرية. عملية صرف صك بمبلغ بسيط تحتاج أحيانا الى ساعات من الانتظار، ورزمة من الاوراق والتواقيع ليأتيك الفرج أخيرا وينادى على اسمك فيما أنت تغط في إغفاءة انتظار وملل بين عشرات المنتظرين على كراسي مهترئة. تعترض فيأتيك الجواب: هذه هي الاجراءات.
لا قيام لاقتصاد السوق في غياب نظام مصرفي متطور يوفر على المتعاملين –أفرادا وشركات- الوقت والجهد وليس زيادتهما؟ مجيء للاستثمار الخارجي ومصارفنا تعمل باليات الاقتصاد المركزي الموجّه. نحتاج الى جهد خاص لتطوير هذا القطاع والا كان أقتصادنا كشاحنة تعمل بمحرّك دراجة نارية.
سالم مشكور