الآلاف عادوا إلى الإقليم برؤى صاغتها حياتهم في الغرب
أربيل – أورلاندو كروكفورد
لا يعلم ريبوار بختيار جميل أين أو متى ولد على وجه الدقة فيما عدا ان ذلك حصل في احدى جبال كردستان عام 1991 قبل فرار والدته الى خارج العراق. أما والده, فقد بقي يقاتل ضد صدام حسين.
وكانت لكنة جميل اللندنية ان تطغى على قسمات وجهه الشرقية.
لكن، فيما تقدم زملاء الدراسة الذي تخرجوا معه للحصول على منحة لدراسة العلوم المالية على حساب شركات مثل مورغان ستانلي وغولدمان ساكس, قرر جميل حجز بطاقة طيران إلى اربيل عاصمة اقليم كردستان.
مثل العديد من شتات الأكراد, أراد جميل ان يكون جزءا من اقرب شيء امكن للأكراد ان يحققوه على طريق الدولة المستقلة في تاريخهم المعاصر.
يعلق جميل من داخل مقهى في منطقة عنكاوة في اربيل قائلا، «كأكراد, فإننا نملك كل ما يمكن ان نفخر به بخصوص آبائنا وأجدادنا الذين قاتلوا في صفوف البيشمركة, وأعطوا كل شيء لهذا البلد. وقد شعرت انه حان الآن دوري لفعل شيء لكردستان. فلو إنني بقيت في لندن وعشت نمط الحياة ذاك, فأنني كنت لأشعر بانني أهينهم».
يصح القول ان نجاح اربيل الاقتصادي منذ العام 2003 بدا واضحا جدا للعيان من خلال عمل آلاف الشركات الكردية والأجنبية على بناء الإقليم واستخراج الموارد الطبيعية, وضمن جو من الاستقرار النسبي لا يقارن بالاضطرابات الأمنية في باقي العراق. لكن الصورة الحقيقة اكثر تعقيدا في واقع الحال, بالنظر إلى ان اربيل تمضي في طريقها لتتحول الى مجمع عمل اكثر تطورا ومقدرة وتحضرا, حتى وان كان الطريق لا يزال طويلا نحو ذلك الهدف.
لكن الجميع ليسوا مستفيدين من موقع اربيل كـ»دبي ثانية». ففي البارات والمطاعم الفاخرة التي تكتظ بها منطقة عنكاوة المسيحية, تبدو غرف الشاي المليء بالدخان داخل البازار ومعها البيوت المتواضعة الكائنة على اطراف المدينة, تبدو مكانا لتبادل حوارات لا يمكن تجنب موضوع الفساد فيها. وكما هو الحال مع كل الرأسماليات, فأن عوائل متنفذة سياسيا باتت تهيمن على مقاليد العمل.
يتجمع مقاتلو البيشمركة القدامى يوميا في الساحة الرئيسية المقابلة لسوق المدينة. ومن بين هؤلاء كان حسين البالغ من العمر 62 عاما يجلس على كرسي لأحد المقاهي مقابل قلعة اربيل التاريخية, حيث ضحك بقوة عند سؤاله عن المقارنة بين اربيل ودبي.
وأجاب حسين «هؤلاء الذين يشغلون المناصب في الحكومة أثرياء وجشعون بالتأكيد, فيما الجميع عداهم من الفقراء وحسب».
برغم ان حسين في ستينيات عمره وقضى 7 سنوات من حياته في صفوف البيشمركة وهو يقاتل ضد صدام, إلا انه لا يزال مضطرا للبحث عن عمل يعيل به نفسه, قائلا ان البيشمركة لا يحصلون على ما يستحقونه جراء تضحياتهم الكبيرة.
أما نور الدين, وهو مقاتل بشمركة متقاعد آخر, فقد كان سعيدا بالأعمار والبناء الجاري في اربيل بالنظر الى ان الساحة التي يجلس فيها ورفاقه كانت في الماضي عبارة عن سوق لبيع للحمير. الا انه يشارك حسين بأن سنواته الـ52 التي قضاها في المدينة لم تقدم له منافع كما يفترض بالحكومة ان تقدمها له ولأقرانه برغم ثراء البلد.
في هذا السياق, سحب فلاح مصطفى الذي يشغل منصب مدير الشؤون الإقليمية في حكومة اقليم كردستان, سحب نفسا عميقا حينما سئل عن المعاملة التفضيلية التي يحظى بها البعض من ذوي العلاقات السياسية والعائلية الكردية. وعلق السيد مصطفى بالقول «إننا نحارب ضد هذا المفهوم الأن»، فيما انقطع التيار الكهربائي عن غرفته في تلك اللحظة لتغرق في ظلام دامس.
وأضاف كذل «إنني لا استثني حصول أخطاء, فهنالك مشاكل وإساءات. لكن تلك الإساءات محدودة ولا تنطبق على الجميع».
لكن الانقسامات في اربيل تبدو ثقافية اكثر منها اقتصادية. لقد عاد الآلاف من الأكراد إلى المدينة برؤى ومفاهيم سياسية ودينية صاغتها حياتهم في الغرب.
كما الحرب السورية والعنف في باقي العراق تعني ان التطرف الإسلامي ضرب جذوره في أعماق الإقليم كذلك, حيث بدا ذلك واضحا من خلال اتهامات حكومة الإقليم للإسلام المتطرف بتدبير الهجوم ضد مقر الأمن الكردي في اربيل العام الماضي, فيما تم توثيق حالات لأكراد متطرفين توجهوا للقتال في سوريا.
كثيرون في اربيل يعربون عن قلقهم بخصوص ما ستؤول اليه الأمور لو عاد هؤلاء الشبان المتطرفون والراديكاليون الى وطنهم.
في جامع المولى الكائن بالقرب من قلعة اربيل, خطب الإمام محمد البالغ من العمر 47 عاما عبر مكبرات الصوت قائلا انه لا يجوز استخدام القوة لفرض اعتناق الإسلام على غير المؤمنين به.
ويقول محمد « جميع أئمة وخطباء المساجد في مدن الإقليم يقولون للناس انه ليس من الجهاد في شيء الذهاب للقتال في سوريا.»
واعرب الإمام محمد عن قلقه من راديكالية هؤلاء الشبان, لاسيما في المناطق الريفية وغير المتطورة مثل حلبجة وحدود كركوك المتنازع عليها. من جانبه, يقول السيد مصطفى ان حكومة الإقليم تتابع المشكلة, الا انه شدد على ان عددا قليلا من الأكراد يقاتلون إلى جانب الجماعات المتطرفة في سوريا.
وأشار مصطفى إلى التعايش السلمي بين مختلف الأعراق والطوائف في اربيل دليلا على الانسجام في كردستان العراق.
و يضيف مصطفى قائلا «ان لدينا مجتمعا مفتوحا وعلمانيا حيث يذهب الناس الى الجوامع فيما يشرب غيرهم الكحول. لكن المجتمع الكردي رافض قوي للإرهاب, فضلا عن ان هذا المجتمع لم يسمح بتأسيس قواعد إرهابيه على أراضيه.
عن «الغارديان»
ترجمة الهادر المعموري