مهنّد الخيكاني
منذ آماد بعيدة الثقافة والمثقف نجحا باستثمار بعضهما بعضًا في حدود المؤسسة الثقافية ، حيث يشتهر المبدعون بعضهم على بعض في حدود معلنة مسبقًا ، ويحظون بالمكانة والثقل داخل «الجماعة».
أرجو أن تنتبهوا الى مفهوم « الجماعة « ، لقد تحول المشهد الثقافي والمثقف معه الى نوع من انواع الجماعات ، وهذه مشكلة كبيرة ، ذلك إن الجماعة تعتد بتقاليد وعادات وطقوس تخصها ، وهو أمر يخص الجماعات ، لكن ان يصبح المثقف ضمن حدود «الجماعة المثقفة» إن صح التعبير ، فهي كارثة حقيقية ، على اعتبار ان هذه الفئة هي ملك لكل الجماعات ، وهي أسُ الحلول المعرفية والاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع ، هي الشمعة التي يتحدث عنها كونفشيوس لتضيء الظلمة للجماعات الاخرى ، هي حكمة من يحمل الفانوس في وضح النهار . لكنها تحتاج اليوم الى من يرشدها ويدلها على الطريق . وقد يرى البعض بأن في هذا الكلام مبالغة ، لكنه ليس مبالغا فيه ابدا ، ففي كل العالم يُعتمدُ على المثقفين من علماء في مختلف المجالات ومبدعين كذلك . بينما نحن لا نرى سوى فشل ثقافي مزمن ، توارثناه جيلا بعد جيل ، يميل فيه الكبار لتثبيت أسمائهم وتلميعها ، ويحاول الصغار طمس بعضهم بعضا في محاولة للصعود والبروز وكأنهم في حلبة للديكة ، بينما يقرف من يقرف ويستعد للمواجهة من يستعد ، والخفاف يذوبون في المقدمات.
ثمة خلل كبير في الثقافة العراقية خاصة ، يبتدئ من استخدام المثقف لكل معارفه ومكانته من اجل نفسه لا غير لا من أجل الآخرين ، يتحكم في ذلك صراحة عقل المجتمع التقليدي والبدائي الذي يسكن خلف تلك الأبّهة المعرفية والبدلات الرسمية الأنيقة والوجوه المرتبة ، تسكن خلف العطور والسيارات الفارهة والمقالات المضحكة التي تصدح بكل ما لا يطبقونه !
نعم ايها الشارع العراقي ، ما يحصل أن النخبة الثقافية نخبة عاجزة عن تغيير نفسها فكيف تغير المجتمع؟
عاجزة عن تغيير واقع المثقف القديم ، وما تزال ترتدي ثيابه وشخصيته في الهيمنة على المراكز الإدارية والثقافية في المؤسسات ؟
ما تزال النخبة تستحوذ على كل المؤسسات التي تعطي مقابلا ماديًا لكل انواع المقالات الجيد والسيء ، والبقية فليذهبوا الى الجحيم !
يقول أحدهم مستشهدا ب آية من القرآن « لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم «
ويستثني نفسه من ذلك التغيير !
إنها فاجعة حقيقية ، أن تنتقد السياسي في الحكومة والبرلمان لكنك مثلهما في الثقافة !
يا له من قرف وخداع مبتذل يمارسه الرجل المعرفي على حساب الآخرين !
الصورة مكشوفة ومشوّهة ولا ينفع معها أية عمليات تجميل !
الشارع مخذول تماما بعد أن خذله من يدعي العلمانية والمدنية ، بعد أن كان له أمل في بعض التوجهات والانتماءات ، لكنه الآن لا يثق بأحد وهي صفة جيدة ، لكن هناك من تراجع وتخاذل وصار ينتمي الى جماعات اخرى، عانينا منها سياسيا ودينيا!
المثقف الذي يفكر كما يفكر أي احد في الشارع لكنه يحمل مظهر الكتاب والقلم والمنصة والكاميرات والتلفزيون !
خذلتم انفسكم وخذلتم الناس وخذلتم الكتابة وخذلتم الوجود وخذلتم كل شيء ، وبصمتم على ثقافة « الحيلة « بالعشرة ، وبقي التمسك بالمناصب والمجاملات التي لا حصر لها ولا نهاية حتى اتاكم اليقين .
أخيرا ً : ماذا سيعني لك ان تكون مشهوراً أو معروفا ضمن حدود الجماعة ! لا يتطلب الامر منك سوى ان تحضر مهرجانين لا أكثر ، ويمكن بعد ذاك ان تعرف الجميع ويعرفك ، الأمر الاهم كيف سيعرفونك ؟
الصورة التي ستتركها كشخص مبدع أو غير ذلك هو ما يجعلك تحظى بالتقدير ، اليس كذلك ؟
ثم ماذا ؟!
متى ستؤثر على الشارع ؟
ما فائدة العيش داخل علبة !
انتبه لنفسك ايها المثقف ، أنت تعيش على الرف مثل منحوتة زجاجية للزينة .