هذا المقال جزء من مقالة او بحث قانوني غير منشور للقاضي رزكار محمد امين
لا يخفى على أحد من ان الكلام عن فايروس الكورونا أصبح الشغل الشاغل للعالم بأجمعه وهو بمثابة الزلزال أو هزة كونية هزت البشرية لتضربها في الاعماق فأثرت على الروح المعنوية للإنسان هابطا إياها كهبوط خشيتها من قنابل ذرية أو هيدروجينية إذ خلق الفايروس هذا هلعا وخوفا كبيرا لدى معظم بلدان العالم بغض النظر عن مدى واقعية الخوف أو عمق الخطورة التي طبعت في الاذهان من عدمها ولا أتطرق اليها باعتباري قاضياً لا يجوز لي ابداء الرأي فيه لأنه عمل طبي متروك لأهل الاختصاص ، وعلى كل حال فقد أصبح الموضوع حديث الساعة ، ليدخل كل بيت سواء أكان في العالم المتقدم ام المتخلف منه ، وفي كل عاصمة ومدينة وقرية أو أي تجمع انساني ، والى قصور الملوك والرؤساء والامراء ، و (داخ) به اكثر المؤسسات الطبية العالمية شهرة والاطباء والمختبرات العلمية المعنية بالأمر في اكثر دول العالم تطورا كالولايات المتحدة الامريكية و أوربا والصين واليابان وروسيا وغيرها من البلدان ، وهكذا فقد خلق هذا الفايروس المجهري الصغير أكبر كارثة كونية في قرننا هذا ندعو الله سلامة أهل الارض منها جميعا . وكان اول ظهور للمرض في مدينة ( ووهان ) الصينية وبعدها جمهورية إيران الاسلامية و( جمهورية ايطاليا ) ودول اخرى كثيرة تجاوزت 170 مائة وسبعين دولة ومنها بلدنا العراق واقليم كردستان ايضا ، وأصبح المرض مادة اعلامية خصبة لكل وسائل الاعلام وهي تتكلم عنها كل بطريقتها لتنشر الاخبار عنه يوما بيوم وساعة بساعة لا بل دقيقة بدقيقة ، فأصبح محل إهتمام الجميع ، المختصون منهم بعلم الطب والجراثيم وغير المختص ، لا بل حتى الأمي بدأ يتكلم عن (الفايروس)، وكما نشر في إحدى المواقع الالكترونية // صحفيون بلا حدود (صرنا نعرف عن فايروس الكورونا اكثر مما يعرفه هو عن نفسه بروتين ينتمي لسلالة الكورونا استطاع أن يغير من سلوكه خلال ثلاثة اشهر وتحول وتحول وتحول….) وقبل الدخول في صلب الموضوع لابد من إشارة عابرة الى أن في العراق صدرت قوانين عديدة منذ خمسينيات القرن الماضي تخص صحة المجتمع والجوانب الوقائية من الامراض المعدية وتنظيم المحلات الصحية والمختبرات ونقل الجنائز ودفن الموتى ومكافحة الامراض السارية والحشرات المؤذية ومن هذه القوانين قانون مكافحة بلهاريزيا والقواقع الناقلة له رقم 38 لسنة 1952 وقانون الصحة العامة رقم 45 لسنة 1958 الملغي بالقانون النافذ ،قانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1981 وقانون مكافحة الامراض السارية رقم 121 لسنة 1963 وقانون نقل الجنائز رقم 52 لسنة 1967 وغيرها . وقد عالج المشرع العراقي حالتي التعمد و التسبب في نشر مرض خطير بحياة الافراد في المادتين 368 و 369 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، ووضع لها عقابا ، ويمكن القول بأن مرض الكورونا ـ 19هو الاخر يدخل ضمن الامراض الخطيرة المشمولة بالمادتين المذكورتين لكونه وباء معدي وخطير على حياة الانسان ، الا انني ارى إمكانية إعطاء تكييٌف قانوني آخر أكثر انطباقاً على حالات العمد أو التسبب في إنتشار مرض الكورونا ـ 19 وبعقوبات أشد مما ذكر في المادتين المذكورتين اللتين تنصان على مايأتي : – ( المادة 368 ـ يعاقب بالحبس مدةلا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب عمدا فعلا من شأنه نشر مرض خطير مضر بحياة الافراد. فإذا نشأ عن الفعل موت إنسان أو اصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت أو جريمة العاهة المستديمة حسب الاحوال ). ( المادةـ 369 ـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار كل من تسبب بخطئه في انتشار مرض خطير مضر بحياة الافراد . فإذا نشأ عن الفعل موت إنسان أو اصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة القتل خطأ او جريمة الايذاء خطأ حسب الاحوال) .إذ أرى أن حالات الخطأ الذي يؤدي الى التسبب في انتشار مرض ( الكورونا – covid 19 ) وكل من يتفق أو يساعد أو يحرض
على ارتكابه وكل من يخرق بنفسه أو يعمل على قيام غيره بخرق التعليمات والأوامر والتوجيهات الصحية أو التي تصدر من الجهات الامنية ذات العلاقة بهذا المرض إهمالاً أو استخفافا أو جهلا , أو إستهزاء وبما يسبب نشر هذا الفايروس بين الاشخاص أو ما يؤدي الى توسيع انتشاره ، يكييٌف قانونا بجريمة ( قتل عمد بسيط أو الشروع فيه ) حسب الاحوال كالشخص الذي ينقل أو يهرٌب الأفراد من دولة موبوءة بالفايروس الى العراق أو بالعكس لقاء مبلغ مالي أو بدونه أو الذي ينقل شخص مصاب بالمرض او يشتبه بإصابته من مكان الى مكان داخل العراق أيا كان سبب نقله ، اذا كان دون اذن من السلطات المختصة أو العبور خارج نقاط تفتيش السيطرات الرسمية للحيلولة دون إجراء الفحص الفايروسي له صحيا ، وكذلك من يدفع غيره بعدم التقييٌد بالإرشادات الطبية او تهيئة الظروف لذلك وأي تجمعات بشرية غير مأذونة طبيا او رسميا كإقامة مناسبات إجتماعية او دينية او حفلات وحضور العديد من الافراد بسببها او التجمع في المساجد أو الجوامع والكنائس ومراكز العبادة والمزارات المقدسة الخاصة بالمسلمين وغير المسلمين ايضا ، وإقامة الشعائر فيها مع هذا الظرف المُخيف وبما يؤدي الى تفشي فايروس الكورونا او تسهيل انتشاره ، والذي يتعارض مع احدى اهم مقاصد الشريعة الاسلامية في حفظ النفس وعدم ايقاعها بالتهلكة ، ومع احترامنا الجم لهذه الاماكن وللمشاعر المتعلقة بها ومريديها مسلما كان أم غير مسلم فلا ضير في تأجيل إقامة الشعائر وخاصة الجماعية فيها مؤقتا لحين السيطرة على المرض وانتهاء خطورته ، وان ذلك لا تقلل من شأن اي منها ومكانتها الدينية المحفوظة في قلوب تابعيها .
وهكذا فإن إرتكاب أي خطأ ضمن الظروف والملابسات المشار اليها او اتباع اي سلوك آخر يتسبب في تفشي الفايروس المذكور بين اشخاص او يسهل انتشاره ، أصاب به أحد أم لم يصيب ، ينطوي تحت أحكام جريمة القتل المنصوص عليها في المادة ـ 405 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969المعدل التي تنص على ما يأتي ” من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت ” في
حال تسبب الفعل لوفاة انسان او ( شروع بقتل ) في الحالات الاخرى دون الوفاة استنادا للفقرة ( ب ) من المادة ـ 34 من قانون العقوبات العراقي النافذ التي تنص على :ـ ( تكون الجريمة عمديه اذا توفر القصد الجرمي لدى فاعلها وتعد الجريمة عمديه كذلك أ ـ اذا فرض القانون او الاتفاق واجباً على شخص وامتنع عن أدائه قاصدا إحداث الجريمة التي نشأت مباشرةً عن هذا الامتناع ب ـ اذا توقع الفاعل نتائج إجراميه لفعله فأقدم عليه قابلاً المخاطرة بحدوثها ) . وهكذا فعلى كل شخص أن يتوقع نتائج خطأه وإهماله ومن انه يتسبب في نشر هذا المرض لوجود معلومات إعلاميه يوميه عالميه ومحليه عن المرض ومسبباتها ونتائج الإهمال والخطأ فيه ووجود توجيهات صحيه وأمنيه للوقاية منه لا يجوز خرقها ولاعذر لأحد بالجهل بالمرض وخطورته وخطورة الاستهتار به أو الإهمال في التقييٌد بالتعليمات الصحية والامنية النافذة للوقاية من المرض والحد من انتشاره لذا نرى ان الخطأ ينقلب عمداً في هذا الموضوع عملاً بالمادة المذكورة ( 34 ق . ع ) .أما ارتكاب اي فعل عمدا بقصد نشر المرض ليعدي غيره بتصميم سابق وهدوء البال كحالات النفخ و البصق(التفله) و العطس والسعال وذر اللعاب من مصاب بوجهالغير او على المواد وأماكن ومقابض يلمسها الغير أو إتباع أي سلوك اخر لنقل ( الفايروس ) اليه أو حتى تخويفه وإدخال الرعب في قلب المقابل ، أصاب به الشخص أم لم يصب فيكون الفاعل مسؤولا عن جريمة ” قتل عمد مقترن بظرف التشديد ” المنصوص عليها في المادة ( 406 /1/أ ) من قانون العقوبات التي تنص على : ( يعاقب بالإعدام من قتل نفساً عمداً في إحدى الحالات التالية : أ- اذا كان القتل مع سبق الاصرار أو الترصد ) ، في حال وفاة شخص بسببه طالما يتوافر القصد الجرمي لدى فاعله في نشر المرض وثبوت هذا القصد ، مع ملاحظة انه ومن انني لا أؤيد عقوبة الاعدام وأطالب بإلغائها وتبديلها بعقوبات أخرى مقيدة للحرية في جميع القوانين العقابية في العراق او في اي بلد آخر يطبقها في العالم ، أما اذا تسبب الفعل الى ما دون الوفاة او حتى عدم الاصابة بالمرض أو بالفايروس لسبب خارج عن إرادة الفاعل كمقاومة جسم
المجنى عليه مثلا فيشكل الفعل مع هذا الجريمة المنصوص عليها في المادة (406/1/أ ق ع بدلالة المادتين 30 و 31 ) من نفس القانون وهي جريمة ( شروع بقتل مقترن بظرف التشديد ) وقد ورد تعريف الشروع بالجريمة في المادة ( 30 ) من قانون العقوبات هذا نصها ـ ( وهو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحه إذا اوقف أو خاب اثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها . ويعتبر شروعاً في ارتكاب الجريمة كل فعل صدر بقصد ارتكاب جناية أو جنحه مستحيلة التنفيذ أما لسبب يتعلق بموضوع الجريمة أو بالوسيلة التي استعملت في ارتكابها ما لم يكن إعتقاد الفاعل صلاحية عمله لاحداث النتيجة مبيناً على وهم أو جهل مطبق .ولا يعد شروعا مجرد العزم على ارتكاب الجريمة ولا الاعمال التحضيرية لذلك ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ) . وتكون عقوبة الشروع اخف من عقوبة الجريمة التامة وفقاً للمادة ( 31 ) من نفس القانون لا حاجة لذكرها هنا . وأرى من الضروري ايضا ان اشير الى انه على السلطة التنفيذية في الحكومة الاتحادية وفي إقليم كردستان وهي تواجه ظرف الوباء الاستثنائي ، عليها اتخاذ الاجراءات الضرورية لمواجهته ، والاختيار بين فعالية الجهاز الاداري في اداء مهامها وبين احترام مبدأ المشروعية في حماية الحقوق والحريات العامة للأفراد ، والذي يسمح للضرورات بالخروج منه في الظرف الاستثنائي ، ولكن تقدر الضرورة بقدرها ، وتبقى مع ذلك تصرفات الادارة خاضعة لرقابة القضاء الاداري ، وهي تتصرف ضمن مسؤولياتها القانونية بإصدار أوامر وتعليمات او افعال بتقييد حريات الناس وتعطيل اعمالهم وغلق محلاتهم التجارية او المهنية او الصناعية وغيرها بالحجر الصحي ومنع التجوال وما تترتب عليها من آثار اقتصادية وقانونية غير محسوبة النتائج ابتداءً ولأجل غير معلوم لكونها مرهونة بانتهاء فعالية الفايروس ، فعليها الحفاظ على التوازن بين مصلحة المجتمع في حمايته من خطر الوباء وحماية الحريات المصانة دستورياً ومتطلبات الفرد الاقتصادي في العيش اليومي واتخاذ خطوات ضرورية في هذا المجال بأنظمة وقرارات او تعليمات وأوامر تتناسب مع خطورة الموقف وضرورة استمرار الحياة بانسيابية مقبولة أهمها واكثرها الحاحا وأنية تخصيص مبالغ نقدية لتغطية الحاجات اليومية الاساسية للذي يعيش على اجر أو عمله اليومي أما الامور القانونية المتعلقة بالدعاوى القضائية ومدد الطعن والتقادم والحقوق المكتسبة ستكون محل معالجات تشريعية مستقبلا إن لم تعالج بالقوانين النافذة في حينه .