قدّرت وارداتها بـ10 مليارات دولار سنوياً
بغداد ـ الصباح الجديد:
دخلت منافذ العراق مع دول الجوار، سواء التجارية أو المخصصة لعبور المسافرين في دائرة المحاصصة التي تسيطر على الكثير من القطاعات في الدولة، ليشتد الصراع على المنافذ الأعلى دخلاً من قبل الأحزاب والمسلحين، بينما تخرج موازنة الدولة بلا نصيب.
ولم تعد مشكلات المنافذ العراقية مع إيران وتركيا والكويت والأردن وسوريا، بمنأى عن صراع تقسيم الموارد بين المتنفذين، ما يزيد من مشكلات الفساد التي تعانيها بجانب تهالك بنيتها التحتية.
وكشفت بنود مسربة من مشروع موازنة العام المالي المقبل 2020، عن تحقيق المنافذ عائدات متوقعة بنحو 800 مليون دولار، ما عده برلمانيون ومراقبون مبلغاً زهيداً مقارنة بما يجري تحصيله فعلياً من 22 منفذاً برياً وبحرياً وجوياً في مختلف أنحاء الدولة. ووفقا لمسؤول رفيع المستوى في حكومة تصريف الأعمال، فإن بغداد لم تتسلم أي عوائد من منافذ إقليم كردستان الستة الدولية مع إيران وتركيا ومطاري أربيل والسليمانية، خلافا لما جرى الاتفاق عليه، مضيفا أن «المنافذ الأخرى تعاني من تمدد عدوى المحاصصة (الحصص) على غرار مناصب الدولة بين الأحزاب».
وأوضح المسؤول في تصريح لـ»العربي الجديد» أن «المعابر المهمة ذات التبادل التجاري المرتفع تخضع لجهات سياسية وشخصيات نافذة بمليشيات مسلحة».
وتابع: «منافذ مثل المنذرية في ديالى والشلامجة في البصرة والشيب في ميسان والقائم في الأنبار، ومنافذ أخرى مثل إبراهيم الخليل وحاج عمران وميناء خور العمية في البصرة مثلا باتت خاضعة عمليا لمبدأ المحاصصة وأكثر من 60 بالمائة من أموالها وعائداتها تهدر بالفساد ولا تصل لخزينة الدولة».
والسبت الماضي، أعربت اللجنة المالية في البرلمان، على هامش أعمال مراجعة بنود موازنة العام المقبل في بيان لها عن قلقها الشديد من طريقة تعامل الحكومة مع قضية الإجراءات الجمركية والضريبية في المنافذ الحدودية، مؤكدة أن تلك الإجراءات تسببت في ضياع مليارات الدولارات سنوياً.
وأشارت إلى أنها ستتخذ «الإجراءات القانونية الحازمة» لكشف هذا الملف وتداعياته في حال الاستمرار في المماطلة والتسويف من قبل الحكومة بما يتعلق بالمنافذ.
وبحسب لجنتي المالية والنزاهة في البرلمان، فإن هناك فارقاً كبيراً بين ما يدخل عبر المنافذ، وما يجري توريده لخزينة الدولة. وفقا لبيانات سابقة صادرة عن وزارة التخطيط فإن حجم التبادلات التجارية التي تمر عبر المنافذ يتراوح سنويا بين 31 و40 مليار دولار، ما يستدعي على وفق مراقبين أن يدر عائدا كبيرا من الرسوم والضرائب المختلفة. وكان رئيس هيئة المنافذ الحدودية كاظم العقابي، قال في تصريحات لوسائل إعلام محلية أخيراً، إن الفساد وعدم سيطرة الحكومة الاتحادية على جميع المنافذ الحدودية يتسبب في هدر مليارات الدولارات سنوياً، مضيفا أن الأرقام التقريبية للإيرادات المفروض تحقيقها من جميع المنافذ تقدر بـ10 مليارات دولار سنوياً، لكن المتحقق الفعلي من الإيرادات يصل إلى 2.4 مليار دولار فقط. ويستورد العراق مختلف احتياجاته المحلية من مواد غذائية وصناعية وإنشائية وكهربائية من دول الجوار بما يصل إلى 40 مليار دولار سنوياً، تستحوذ إيران وتركيا على أغلبها. وقال هوشيار عبدالله، عضو اللجنة المالية في البرلمان، إن «الحكومة لم تزودنا بأي أرقام بشأن قيمة واردات المنافذ أو الرسوم المتحصلة منها، بسبب نسبة الفساد العالية، فأي أرقام تصل ستكشف عن حقيقة الفساد وما يجري في المنافذ العراقية». وعلى وقع التظاهرات التي تعم أنحاء العراق، مرر البرلمان قبل أيام، قانون «الكسب غير المشروع»، والمعروف في العراق باسم «من أين لك هذا»، بعد نحو عامين من الشد والجذب بين الكتل السياسية بسبب بعض فقراته التي تتناول صلاحيات هيئة النزاهة والمحاكم المختصة في تتبع أصول أموال المشتبه به وأقربائه، ومخاطبة البنوك للكشف عن الذمم المالية، إضافة إلى بند تطبيق القانون بأثر رجعي منذ عام 2003 وحتى الآن.
غير أن هناك من يشكك في إمكانية تنفيذ القانون في ظل توافقات وصفقات سياسية منعت من فتح ملفات الفساد التي كبدت الدولة العراقية مئات المليارات من الدولارات في أقل من 12 عاما، حسب تقديرات غير رسمية. وقال أحمد الخالدي، الخبير الاقتصادي إن «استيفاء العراق رسوم منافذه الدولية من شأنه أن يوفر سنوياً مبالغ كافية لإعمار وتأهيل قطاعات مهمة تعاني من مشاكل كبيرة مثل المستشفيات والمدارس.
وأضاف الخالدي: «يذهب أكثر من نصف عائدات المنافذ هدراً بسبب الفساد، الذي لا يقتصر على وضع الأموال المتحصلة في جيوب من يسيطر على تلك المنافذ، بل أيضا تمرير بضائع بدون جمارك أو منحها إعفاءات من دون سند قانوني أو تقليل وتلاعب في نسبة الجمارك أو نوعية البضاعة وهذه كلها تكون بإشراف مسؤولين وموظفين ومتنفذين في المنافذ تنتهي إلى أموال تودع في حسابهم بدلا من أن تكون قانونية وتترجم إلى مبالغ في موازنة الدولة».
وتضمن قانون محاربة الفساد الذي جرى إقراره نحو 20 بنداً، أبرزها ينص على متابعة أموال موظفي الدولة من مدير عام فما فوق، وتعد أي أموال يمتلكها لا تتناسب مع راتبه الرسمي، شبهة ويجري التحقيق فيها تلقائيا.
كما يحظر على المسؤول تعيين أقاربه ومعارفه أو تكليفهم بعمل ينتج عنه منفعة مالية، ويحظر أيضا العمل بالتجارة أو ما يتصل بها من أعمال، وتصل عقوبات القانون إلى السجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، لكن مراقبون يشككون بشكل كبير في جدية تنفيذ هذه البنود.