حينما يفشل النظام السياسي في تدارك الاخطاء والانتهاكات ولا يهتم كثيرا بإصلاح الاوضاع يصبح من الطبيعي أن تتداعى سمعته في الداخل والخارج وقد كان متوقعا في العراق أن ينزاح هذا الفشل المتراكم في منظومة حماية الحريات العامة والتجاوز على مبادئ حقوق الانسان على المواقف الدولية مما يجري في العراق حيث تصدرت مشاهد التجاوزات الفظيعة على المتظاهرين والممارسات العنيفة بحقهم المتمثلة باستعمال القوة المفرطة وقنابل الغاز اجتماعات المنظمة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف قبل أسابيع.
ولم تفلح محاولات ممثل العراق في هذه المنظمة في تبرير هذه التجاوزات وهذه الانتهاكات وقبل يومين تكرر المشهد على نطاق أوسع واعمق وأكثر تأثيرا حينما القت رئيسة بعثة الامم المتحدة في بغداد السيدة جينين بلاسخارت تقريرها عن الاوضاع في العراق وسلطت الضوء على المعطيات السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية التي سبقت ورافقت الحراك الشعبي المتمثل بالاحتجاجات الواسعة التي شهدتها المدن العراقية المختلفة وتداعياتها على حاضر العراق ومستقبله وما يلفت الانتباه في هذا التقرير أن المسؤولة الاممية ضمنت تقريرها وقائع لأحداث كانت فيها شاهدة حية ونقلت إلى أعضاء مجلس الامن الدولي وجهة نظر المرجع الديني علي السيستاني تجاه الاوضاع بعد اللقاء المباشر معه وتعاطفه مع المحتجين وعدم ثقته بوعود الطبقة السياسية التي تمسك بزمام السلطة لتلبية مطالب المتظاهرين.
وتحدثت بلاسخارت بواقعية عن نمط حياة العراقيين ومشاعرهم وافكارهم وتقييمهم للمتغيرات في بلادهم منذ 2003 وشرحت الأسباب الرئيسة لاندلاع الاحتجاجات على لسان الشباب في ساحات التظاهر ووصفت الاصرار والتحدي في تقديم التضحيات وتعاظم ارادة المحتجين المتنامية من اجل صنع التغيير وفي كل هذه التفاصيل فان هذا التقرير يشكل اليوم صدمة أمام مرأى العالم اجمع لان المجتمع الدولي كان ينتظر من النظام السياسي الجديد في العراق تطبيقا عادلا ونزيها وشفافا لما جاء به الدستور العراقي بعد 2003 يعوض العراقيين عن سنوات الحرمان والاضطهاد والتهميش وخنق الحريات التي عاشوها في ظل الاستبداد والديكتاتورية وهي بهذا تقرع جرس الانذار في أكبر محفل دولي بوجه قادة النظام السياسي في العراق لإعادة تصويب المنهج والاداء والتخلي عن وسائل العنف الدموية الذي يمارسونه بحق أبناء شعبهم ومالم يسمعه المتظاهرون في ساحات التظاهر وقد انتظروا صوتا منصفا من اقطاب السلطة لإنصافهم سمعوه من مسؤولة دولية بفم صادق وبضمير حي.
د. علي شمخي