-1-
بين ( الذاتية ) وتسلق القمم الانسانية الشاهقة حواجز وعوائق كثيرة ، فمن غير المقدور لصاحب التقوقع المقيت في إطار حب الذات ومصالحها، والانغماس المستمر في الاستحواذ على المكاسب الشخصية والامتيازات الخاصة على حساب الأخرين، أنْ يحظى بمكانة انسانية متميزة
-2-
حين نستعرض أسماء الاعلام والأفذاذ نجد انهم لم يكونوا يعيشون لانفسهم ، ولم ينسوا الاخرين بل اتشعت آفاقهم وصدُورهم وكرُمت نفوسهم وبقيت تحمل هموم الاخرين الى جنب ما تحمله من هموم وأتعاب ..
-3-
ان غاية ما يريده ( العابِدُ) الذي يقضي نهاره بالصيام ، وليله بالقيام ، هو أنْ ينجو بنفسه من العذاب يوم القيامة،وهو في مرتبة أدنى بكثير من (العالِم) الذي يعمل دائبا ليل نهار من أجل انقاذ الناس من براثن الارتطام بما يسخط الله عليهم ، وبالتالي فهو لا يستقر الا حين ينير لهم درب الوصول الى رضوانِه والاستقرار في واحاتِ جنانِه .
-4-
كِبرَ النفس والاتسام بالمروءة وحب الخير للناس ، والعناية بالفقراء والضعفاء ، والتفكير بمساعدتهم وتخفيف وطأة الأعباء عنهم ، حالة ايجابية يمتاز بها الطيبون من ذوي الصفاء والنقاء ، والحس الانساني المرهف ، والايمان الصادق بانَّ خير الناس من نفع الناس …
-5-
وقد قرأتُ مؤخراً قصة طريفة تصوّر السمو الذاتي والانساني خير تصوير .
لقد كان المرحوم اية الله العظمى السيد ابو الحسن الموسوي يتوجه من النجف الاشرف الى الكاظمين –عليهما السلام –ويومها كان مُنهَمِكاً في دراساته العالية في الفقه والاصول،وكان يشق طريقه لاعتلاء المكانة المرموقة التي يحتلها مراجع الدين الكبار، وكان يلتقي حينذاك ببائع بسيط يعرض مالديه بالقرب من احدى بوابات الصحن الكاظمي الشريف،
كان يقف عنده، ويشتري منه، ويُصغي اليه وهو يشكو مما يعانيه من أعباء الحياة.
وبقيتْ صورةُ هذا الرجل البسيط الفقير عالقةً في ذهن السيد ابي الحسن الموسوي ، الذي آلت اليه المرجعية العليا ولم ينسه على الاطلاق
وحين جاء الى الكاظمية المقدسة – بعد أنْ ثُنيت له وسادة المرجعية الدينية العليا – افتقد الرجل فسأل عنه ، وجيء به اليه فسأله عن احواله فقال له بناني تزوجن وأنا الآن أحسن حالاً مما كنتُ فيه ..!!
فقال له السيد :
وماذا عن السكن ؟
هل امتلكت داراً ؟
فقال :
لا ، وانا مازلتُ في بيت مستأجر، فحثّه على البحث عن دار مناسبة لسكنه وأظهر له استعداده لمساعدته في ذلك .
انه منحى انساني نبيل يصوّر ما انطوت عليه تلك الذات السامية من أخلاقية عالية .
وهكذا يجب ان يكون الزعماء والقادة، لن تغيب عنهم معاناة البائسين، ولن يترددوا أبداً في إسداء ما يقدرون عليه من عون لهم لتذليل ما يعانونه من صعاب .
لقد خسر المتسلطون في (العراق الجديد) الجماهير لأنهم تسلقوا على
أكتافهم، ثم نسوهم وانصرفوا بالكامل لتحقيق رغباتهم المحمومة وطموحاتهم المذمومة، وقد دارت عليهم الدوائر في احتجاجات شعبية عارمة، ومظاهرات كثيفة تعكس حجم السخط الجماهيري عليهم ، ولسخط الله أكبر..!!
حسين الصدر
