ليس من عادتي الكتابة في أمور تخصني شخصيا، لا في وسائط التواصل الاجتماعي ولا في الصحافة التي أكتب فيها منذ أكثر من نصف قرن! لكنني وجدت ما أنا بصدده الآن يتضمن حقا عاما، كيف ينتهك بيت مواطن مرتين من حكام عهدين مختلفين في منطلقاتهم وأهدافهم وادعاءاتهم وشعاراتهم؟ كيف يأمن الناس على بيوتهم وأهليهم في ظل حكام يجعلون قراراتهم وتوجيهاتهم الإدارية فوق حكم القضاء والقانون؟ ولا يكترثون لاستقلالية السلطات الثلاث والفصل بينهم؟ لذلك قررت أن أكتب بقضيتي هذه بعد أن طال سكوتي فيها كما طالت مراجعاتي للدوائر المختصة حولها من دون نتيجة عادلة. كان نظام صدام قد صادر بيتي في بغداد قبل نحو أربعين عاما، بسبب نشاطي السياسي والثقافي ضده في الخارج، أصيبت والدتي بجلطة دماغية عند اجلائها بالقوة من البيت فظلت تعاني لسنوات من إعاقة حتى توفيت.
عند عودتي بعد سقوط النظام لم أستطع استعادة البيت لأسباب يطول شرحها ولا تخفى على من يعرف أوضاع البلاد. أردت أن أراه من الداخل فلم استطع الاقتراب منه عارفا مسبقا بالموقف العدائي لساكن البيت ما ذكرني بمشاهد لفلسطينيين ردوا على أعقابهم عند محاولتهم أن يروا بيوتهم المغتصبة في بلادهم . الحكام المعنيون الحاليون يرفضون دفع التعويض عن البيت المغتصب كما جاء في قرار المحكمة والمؤيد بالتمييز ، ويعرضونه علي بدفعات سنوية بعشر معشاره تقتضي مني العيش خمسة وعشرين عاما لاستيفائه في حين أنا بلغت آخر العمر! هذا يعني أنهم يصادرون البيت للمرة الثانية! هم يتعللون بعدم وجود رصيد مالي كاف بينما هم دفعوا لشخصيات نافذة مبالغ تعويض تفوق ما استحقه من تعويض بكثير جدا بلغت مليارات الدنانير.
كثير من المسؤولين يدعون شحة الموارد والعجز المالي فقط عندما تحين استحقاقات المتضررين والمنتهكة حقوقهم. ثم نكتشف ثراء الدولة وكثرة خيرات البلاد عندما تتصاعد روائح فضائح المختلسين والمرتشين واللصوص والمبذرين، وقوائم رواتب الموظفين الوهميين، وعندما تتصرف جهات عديدة بموارد الدولة، أموال الشعب، ولا تلقى حسابا أو عقابا، ثم مظاهر الدعاية الانتخابية في الشوارع والفضائيات! ليس غريبا إن كثيرا من المتسلطين والجلادين في العهد السابق نالوا اليوم الكثير ما هو ليس حقهم، ونحن ضحاياهم نسعى ونجد لاستعادة حقوقنا من دون جدوى. ثمة من يدعو الكتاب والمثقفين والعلماء والفنانين والمبدعين في الخارج للعودة إلى البلاد.
كيف يعودون وهم يواجهون في بلادهم غمط الحقوق والتعسف والإهمال؟ يبدو أن خلاصة الأمر في وطننا إننا نتجه لحال يكون فيه من يستحق لا يحصل على شيء، ومن لا يستحق يحصل على كل شيء، ومن المعروف أن هكذا حال على مدى التاريخ أطاح بدول وإمبراطوريات حين امتلكت القوة والمال لكنها لم تمتلك العدل والإنصاف، ولكن من يقرأ التاريخ؟ ومن يتعظ إذا قرأ؟
كاتب وروائي عراقي
إبراهيم أحمد