شكيب كاظم
هذا كتاب تابعت أمره، منذ أن كان بحثا كتبه الباحث الضليع عبد الإله ( علي حمود) الصائغ، بوصفه جزءا من متطلبات الحصول على درجة الماجستير من قسم الدراسات العليا بكلية الآداب، جامعة بغداد، وحضرت جلسة المناقشة، التي عقدت في، أو على قاعة الإدريسي بالكلية عصر يوم الثلاثاء الموافق للثاني والعشرين من شهر ذي الحجة عام ١٤٠١- ٢٠/ تشرين الأول سنة ١٩٨١، وتراسها أستاذي الدكتور جلال الخياط ( ت٢٠٠٥)،الذي أشاد بجهود الباحث، وقال إنه أصيب بالدوار والإعياء عند قراءته لهذه الرسالة، وتذكر كيف أصاب الإعياء الكاتب وهو يبحث ويكتب.
هذا البحث الرصين الذي وسمه الباحث عبد الإله الصائغ ( الزمن عند الشعراء العرب قبل الإسلام)،الذي اعيا الدكتور الخياط، وأصابه بالدوار عند قراءته، يعيد لذاكرتي التعب والنصب اللذين ألما بالأستاذ النحوي الجليل الدكتور مهدي المخزومي ( ت١٩٩٣) الذي كان مشرفا على البحث الرصين الدقيق، الذي تقدم به الباحث والشاعر الرقيق السيد مصطفى جمال الدين عن ( البحث النحوي عند الأصوليين)،للحصول على درجة الدكتوراه، الذي كان يشفق عليه وعلى قرائه من هذا الغوص المضني في يم الدراسات النحوية واللغوية والدينية والفقهية وللمذاهب كلها، لكنه مصطفى جمال الدين، الذي ما كان يرضى إلا بحثا يرضيه ويرضي الصفوة من الباحثين ويسره في القيامة أن يراه! تنظر مقالتي ( طفولة ملغاة. مصطفى جمال الدين نحويا أصوليا) من كتابي (هوامش ومتون. في الأدب والنقد والفكر) دار فضاءات. الأردن ٢٠١٥.
بحث يعيي القارىء لتشعبه
وكما أصيب أستاذي جلال الخياط بالإعياء، وهو يقرأ هذا البحث الذي تولى مناقشته الراحل الأستاذ الدكتور محمود عبد الله الجادر، والراحل الأستاذ الدكتور نوري حمودي علي القيسي؛ عضواً ومشرفا ( ١٩٣٢- ١٩٩٤)فقد أعيتني قراءة هذا البحث الرصين، بعد أن صير كتابا حمل الإسم ذاته ( الزمن عند الشعراء العرب قبل الإسلام) بطبعته الأولى التي أصدرتها وزارة الثقافة والإعلام العراقية سنة ١٩٨٢، في ضمن سلسلة ( دراسات) وطبع ثانية وثالثة، وانا هنا اقرأ الطبعة الأولى، واحتجت إلى الرجوع للمعجم مرات عدة، لاستجلاء ما غمض علي من تعابير، ولقد عجبت لهذا الغوص في المصنفات والمظان والمصادر القديمة، يستنطقها الباحث عبد الإله الصائغ، الذي كان يذهب إلى تدوين الحواشي والهوامش، حتى كانت هذه الحواشي تزيد على المتن في العديد من صفحات هذا البحث الرصين، أشفاقا على القارئ لا على نفسه، من أن تمتد صفحات الكتاب، إلى الحد الذي لا يكون بمستطاع القارئ الإبحار في يمه وعبابه، فهو يكبح نفسه أن لا تلج أماكن أوسع، قد تودي بمصير البحث، فثمة محاور مهمة كانت تجتذبه وتغويه وتغريه بخوضها مثل محاور: التاريخ والفلسفة والدين والفلك والمكان وعلم النفس.
إن الدخول في هذه المحاور، قد تؤدي بالبحث والباحث الى الضياع في متاهاتها، فاستعان لهذا السبب- كما قلت انفا- بالهوامش، حيث لايتسع مسار البحث وصدره ومنهجه لجعلها في المتن. تنظر ص١٠ من الكتاب.
يوم كانت الناس، تزهو وتفخر إذ تقدم جديدا، وتتعب فيه النفس والروح، من أجل الحقيقة وشرف البحث؛ كتبت مثل هذه البحوث، فها هو الباحث عبد الإله الصائغ يؤكد ثانية– وهو ما توصلت إليه وأنا أجوس خلل هذا البحث الزاخر–»» كان موضوع البحث (…) مدخلا لموضوعات عديدة، يستحوذ درسها على جوهر الموضوع وقد يوجهه بعيدا عن مساره المقرر، ويخل إهمالها بمسار الموضوع (…) فلم يكن الزمن في الشعر غرضا شعريا، لكي ينصرف البحث إلى رصده وبلورته وإنما كان الدائرة التي احتوت كل الأغراض، ولم يقتصر البحث على الزمن عند شاعر واحد أو قبيلة واحدة، لكي يتفرغ للاستقراء والاستنتاج، وإنما كان البحث إصرارا على دراسة الزمن بجميع امتداداته عند الشعراء العرب، وهو أمر ينطوي على مصاعب شتى ترهق الباحث وتضطره للتصدي إلى أمور قد لاتقل خطرا وأهمية عن الموضوع الأساسي، وكنت أطمح وما أزال إلى أن أدرس موضوعا جديدا،(…) فكل جديد عرضة للمشكلات والمزالق»» تراجع ص٢٨٦
ملاحظات ونقاش
وأنا أقرأ هذا البحث الرصين بتؤدة وانعام نظر، وقفت عن بعض الأمور التي أرغب في مناقشتها مع الباحث الأستاذ عبد الإله الصائغ، ففي الصفحة ١٠٢ من الفصل الثاني المعنون ( الزمن من خلال الوقت) حيث يستقرىء الباحث الضرب الثاني من تقسيم الوقت واقفا عند الدقيقة، الساعة، اليوم ، البكور، الفجر، الصبح، الضحى، الغدوة ،الظهيرة ،القيلولة، العصر ، الأصيل ،الغروب ، المساء ، العشية، السحر ، ليصل إلى الأسبوع، حيث يقول:»» سمي أسبوعا لأن عدد أيامه سبعة وهي الأحد، وإنما سمي بذلك لأنه أول يوم خلقه الله في الزمان، وسمي اليوم الذي يليه الاثنين لأنه ثان، والثلاثاء (…) لأنه ثالث والأربعاء لأنه رابع والخميس لأنه خامس والجمعة لأنه يوم الاجتماع، والسبت لأن الخلق انقطع فيه وخلق في آخره آدم،ومن المؤكد أن الجاهليين لم يعرفوا تلك التسميات، وان لهم اسماء أخرى تختلف عن أسماء أيام الأسبوع المعروفة الآن ،فهم يسمون الأحد أول والاثنين أهون، والثلاثاء جبار والأربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والسبت شيار»» ص ١٠٢
أرى إن هذه التسميات مفتعلة وبعيدة عن الواقع والعقل، إذ هي تسميات متأخرة قد لا يعرف متى أطلقت، لكن من المؤكد أنها أطلقت وجاءت بعد التسميات القدمى الجاهلية، ويجب أن لا نأخذ النصوص القديمة على علاتها بل نناقشها ونخضعها للعقل، واضعين في الحسبان أن هذا المبحث نتاج عقل الصائغ الجوال ، والامر ينسحب على ما جاء في الصفحة ١٠٥ إذ ينقل لنا أسماء الشهور— وليس الأشهر كما ورد في النص!— ،وفرق ثمة بين ( افعل وفعول) فالأول لجمع القلة والثاني جمع كثرة، فضلا عن أن القرآن الكريم وصفها ب( الشهور) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، إذ يذكر الباحث الصائغ»» أما اسماء الأشهر فيبدو أنها غير مستقرة ويقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فمثلا شهر رمضان وافق أيام الرمض وشدة الحر (…) ثم استقرت اسماء الشهور قبل الإسلام على هذا النحو ( المؤتمر وناجر وخوان وبصمان وحنتم وزباء ( زبى) والأصم وعادل ونافق ونمل وهواع وأخيراً برك) وحين اشرقت شمس الإسلام استقرت اسماء الشهور على هذا النحو ( المحرم وصفر….)ص١٠٥.ص ١٠٦
وإذ يرجع في هذا النص إلى مصادر ومراجع عدة، منها(المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للعلامة العراقي الدكتور جواد علي (ت١٩٨٧)،الذي يذكر أن لبعض أسماء الشهور، معاني ذات علاقة بالجو أو بالزراعة أو العقائد، وإذ لم يشرح لنا الباحث ما المقصود بـ(اللغة القديمة؟) إذ ثمة لغات قديمة سبقت العربية في جزيرة العرب منها: اللحيانية والحميربة والسباية، فاني أرى من الصعوبة قبول هذا التفسير الذي نقلته المصادر القديمة، وبقي هذا التفسير متوترا حتى وصل إلى العلامة جواد علي الذي لم يناقشه، وقبله على علاته، وكذلك الباحث الصائغ، اذ ارى أن من غير المعقول ولا المقبول أن ينتظر من يريد تسمية الشهور العربية عاما كاملا كي يسميها! فرمضان سمي هكذا لأنه وافق ايام الرمض وشدة الحرارة، اذن ماذا نقول في صفر ورجب وشعبان؟ ثم هذه الانتقالة السريعة بين الجمادى الثانية ورمضان، اذ بين الانجماد والرمضاء شهران فقط؟!وهذا غير معقول ومقبول.
ارى أنها تسميات أطلقت من غير تعليل وتدليل، اذ أن هناك الكثير من ظواهر الحياة،تاتي هكذا،فنتركها على علاتها افضل من أن نوجد لها تعليلات غير مقبولة ولا واقعية.
وفي الصفحة ١٥٢ يرد هذا النص:»» وزعم بعض العرب إن النفس طائر ينبسط في جسم الإنسان، فاذا مات أو قتل لم يزل مطيفا به متصورا إليه في صورة طائر يصرخ على قبره مستوحشا (…) ويقال إنه يخرج من هامته فلا يزال يقول: اسقوني اسقوني حتى يقتل قاتله فيسكن، وإسم هذا الطائر (الهام) أو ( الهامة).
أقول: إن هذا يخص المقتول غيلة وغدرا، وليس من مات حتف أنفه!
وفي الهامش التاسع من الصفحة ١٨٠، لدى الحديث عن ( السلطان) يرد ما نصه:»» ثرثرة فوق النيل ص٢٤ وضع نجيب محفوظ على لسان أحد أبطال قصته هذا القول ( لم يكن عجيبا أن يعبد المصريون فرعون،ولكن العجب أن فرعون أمن حقا بأنه إله)»»».
أقول:( ثرثرة فوق النيل) رواية وليست قصة،واذ في هذا النص تعريض موارب بالرئيس جمال عبد الناصر،فان الرواية التي صورت حياة المسطولين على لغة المصريين، أو الحشاشين الهاربين من قسوة الحياة نحو العوامة ودخان الحشيش،كانت استباقا لما حصل في حزيران ١٩٦٧ وارهاصا به.