صوت مجلس النواب في جلسته يوم السبت 9/3/2019؛ على صيغة قرار من حيث المبدأ على الغاء مكاتب المفتشين العموميين” كما تم التصويت على “تفعيل دور المدعي العام”.
وفي تعليقه على هذه الخطوة قال أحد النواب المناصرين لها “ان المؤسسات الفاسدة لا داعي لوجودها..” بينما وصفها نائب آخر بأنها “خطأ كارثي”.
ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان هذه الخطوة لمجلس النواب تأتي من دون التنسيق مع صاحبة الشأن (الحكومة)، أي مغايرة تماما لما يروج له من تنسيق وتعاون بينهما في التصدي لمثل هذه الملفات الحيوية.
ليس دفاعا عن هذه المكاتب، والتي كتبنا وتحدثنا عنها وعن قضايا الفساد في الكثير من المناسبات، لكن تقديم مثل هذه الخطوات بوصفها تعبر عن ارادة وتصميم على مواجهة الفساد، لا تمت الى الحقيقة والواقع بصلة، ولو استعنا بالاكتشاف الخطير الذي توصل اليه احد اعضاء مجلس النواب؛ فان غالبية المؤسسات ستتساقط ولن يستثنى منها البرلمان بجلال قدره.
هذه المؤسسة (مكاتب المفتشين العموميين) لا تنفرد بهذا الوباء (الفساد) كما انها لا تتصدر بكل تأكيد هذا الماراثون، لكنها ولحسابات لا يسبر غورها الا الراسخين في علوم اعادة تقسيم الاسلاب، قد تم التضحية بها.
مثل هذه القرارات لا تعد غريبة على هذا النوع من البرلمانات، وهي امتداد لسلسلة من القرارات والتشريعات التي تلف وتدور حول هذه الملفات الشائكة من دون تقديم اية حلول مبدئية وشجاعة لها.
هذا العجز له اسسه الموضوعية التي تقف بالمرصاد لاي محاولة او مسعى جدي لمواجهة الفساد بشتى تجلياته المالية والقيمية والادارية، فمن دون امتلاك ارادة لتفكيك سطوة هذا الطبقة السياسية بمختلف واجهاتها، ومن دون زحزحة واصطدام بمنظومة القيم والتقاليد التي تقف خلف كل هذا الركود والتشرذم الممتد لتفصيلات حياة المجتمع (افرادا وجماعات)؛ لا يمكن انتظار حصول تحولات حقيقية في التعاطي مع هذا الكم الهائل من الملفات المزمنة.
فشل مؤسسة (المفتش العام) في تأدية وظائفها، لا يشذ عما حصل لباقي المؤسسات الحديثة والتي جربتها الامم الحرة لاعادة بناء وترميم مصائرها، وهي ليست فائضة كما يصورها البعض من المسكونين بموروثات الماضي في مجال الادارة والتشريع، وهي كمؤسسة حداثوية تتطلب شروطاً كي تنهض بوظائفها الدستورية، على رأس ذلك استقلاليتها ومهنيتها، وهذا ما عبثت به وسحقته “الاحزاب” والكتل المتنفذة، لذلك قررت ان تدفن هذه التجربة، قبل ان تتعرى مثل هذه الحقائق والادوار المسكوت عنها.
بعد ان استأصل لنا المشرط الخارجي رمز الردة الحضارية والسياسية (مجلس قيادة الثورة) والذي اعاد العراق الى عصور ما قبل المغفور له مونتسكيو (1689-1755) صاحب نظرية فصل السلطات، برزت الى الوجود الحاجة لملء الفراغ الذي تركه ديناصور الرسالة الخالدة، والذي سخرت لمشيئته جميع السلطات؛ عبر حزمة من القرارات التي اصدرها الحاكم المدني للعراق بول بريمر (2003-2004) بغية معالجة ذلك، ومنها منظومة (المفتش العام) والهيئات والمفوضيات المستقلة الاخرى، والتي يعدها بعض من محظوظي العهد الجديد؛ بانها قوانين وتشريعات ينبغي الغاءها فقط لأنها سنت من قبل”المحتل بريمر” من دون الالتفات الى ان وجودهم على سنام السلطات لم يكن ليتحقق حتى في الاحلام لولا ذلك “المحتل” الذي شرع لوجود كل تلك المؤسسات التي اشبعتها قوارض “التغيير” فساداً وفشلاً…
جمال جصاني