د. سيد كبارى
فى مقر الحزب
صفق للزعيم طويلا
الجميع يصفقون ويهتفون، لا نملك إلا التصفيق للخطأ وللصواب.. السياسة أصلا هتافات تافهة، لو اجتمع الناس حولك يهتفون بإمكانك أن تكون زعيما أو قائدا، هكذا كان يفكر.. هز رأسه يائسا وراح يصفق بقوة
فى المنزل
رأسه طبل كبير أجوف، تدوى فيه هتافات شتى، أحسه كجدار يتصدع واقترب أكثر ما يكون من السقوط، ابتلع حفنة من مسكنات ومهدئات، وحاول أن ينام فى هدوء، بدأ جسده يسترخى رويدا رويدا فجأة تمرد النوم عليه بعناد غير مبرر ساعدته جموع كثيفة من ذباب ثائر متناهى الحماقة والغباء، تهاجم أجواء الغرفة كسرب طائرات تصطاد هدفا، كأنها تتعمد الهتاف هى الأخرى فى جهل ورتابة: زن.. زززن…زززن موجات متحركة تليها موجات…. الذباب يهتف لى بلغة مختلفة، ألهبت حرارة الغرفة عقله فهب يصرخ فى ضيق مجنون لقد أصبحت زعيما!
فى المطبخ
تملك الفزع زوجته وأولاده أمرهم بأن يعتقلوا أنفسهم فى المطبخ لحين طبخ قرار مناسب يتوافق مع الوضع الجديد ويساعد على تهدئة الأمور المشتعلة
فى الإذاعة
لم يجد بديلا عن اللجوء الاضطرارى للإذاعة، كوسيلة فاعلة للأثير لمخاطبة الجموع والعقول، أزاح مؤشر الموجات جهة اليمين، فلم يعجب ذلك أهل اليسار، فأزاحه جهة اليسار احتج بقوة أهل اليمين، حرك المؤشر كثيرا يمينا ويسارا وفى المنتصف.. لازالت الهتافات تدوى وكأن الزعماء والقادة يتنافسون فى فن الخطابة أكثر مما يتنافسون فى فنون حكم الشعوب التصفيق المشتعل حينا والهادئ حينا آخر يقاطع لهجات متباينة كثيرا كلها بحروف عربية
الجميع يؤدى باتقان دوره المرسوم، الزعماء والقادة يخطبون بحماس وبلا توقف، والجماهير أيضا تصفق وتهتف بلا ملل، حتى إن أحدهم قال بصوت طفل برىء:
لقد أدمنت الحرف وتعاقدت مع الكلمة وسأظل حتى آخر العمر أتكلم.. وهأنذا أفعل…… علا صوت الهتافات وتردد عبر الأثير صداه.. تملكه الضيق مجددا، حرك مؤشر المذياع أبعد، وأبعد، أقصى اليسار.. ظهرت على شفتيه ابتسامة رضا عندما سمع محمد العزبى يشدو برائعته عيون بهية عند الكوبليه الجميل «وكل الحكاية عيون بهية» هب واقفا وظل يهتف بقوة: كل الحكاية عيون بهية، كل الحكاية عيون بهية..ثم راح يصفق ويصفق!.