رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 56
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
إجتماعات باريس و دبلن
* تدخلت قوى كردية و عربية و أجنبية عدة للوساطة بينكم و بين البارتي لوقف القتال، لماذا لم تنجح تلك الوساطات، و من هو الطرف الرافض للإستجابة مع تلك النداءات؟
– نحن كإتحاد وطني وافقنا على جميع النداءات والدعوات لوقف القتال، وخاصة حين جاء وفد اميركي ضم اليسترماكفيلد وروبرت دويتش ووافقنا على جميع شروطهم، ولكن جماعة البارتي رفضوا وأصروا على إخلاء أربيل مهما كان الثمن. وكان البارتي مدعوما في ذلك الوقت من إيران وتركيا معا ولذلك تعنتوا ورفضوا نداءات السلام، ومن غير الاميركان تقدمت أحزاب كردستانية أخرى بمبادرات ومقترحات، و البرلمانيون جميعا أعلنواالإضراب وقبلنا مطالبهم، و جميع الأحزاب إلتقت بي في أربيل و أعطيتهم ورقة بيضاء موقعة مني ليملوا ما يردون، لكن البارتي رفض كل ذلك أيضا!
* في ذلك الوقت سنحت أمامكم فرصتان كبيرتان لوقف القتال، الأولى إنعقاد مؤتمر باريس، و الثانية إجتماع دبلن، لماذا لم تنجح تلك الجهود أيضا و من يتحمل مسؤولية فشلهما؟
– لقد وقعنا فعلا إتفاقا في باريس وتوصلنا الى حلول مرضية لنا جميعا، ولكن البارتي سلموا نسخة من ذلك الإتفاق سرا الى تركيا، وكان إفشاء هذا السر قد أزعج الرئيس فرانسوا ميتران، لأنه أوصانا مسبقا بأن لا نكشف مضمون الإتفاق حتى يأتي مسعود وجلال الى هنا في باريس ويوقعان الإتفاق بحضوره. ولكن مسعودا لم يأت وتذرع بأنه لا يستطيع أن يسافر عبر تركيا أو سوريا، ولا يعرف كيف يذهب عبر إيران، فإقترحت عليه أن نذهب سوية لكنه رفض. لم يرد البارتي توقيع الإتفاق وإنكشاف حقيقته أمام الجميع وتحمله مسؤولية إدامة الاقتال، ولذلك رفض مسعود أن يأتي و يوقع الإتفاق بنفسه.
توصيف حزب العمال الكردستاني
* ولماذا فشل إجتماع (دبلن)، وهو جهد دولي مهم للتدخل في الصراع و وقفه؟
– في دبلن حصل إتفاق، ولكني أعتقد بأننا أخطأنا، وأتحمل مسؤولية هذا الخطأ لقد طلبت منا اميركا و بريطانيا و تركيا أن نصف حزب العمال الكردستاني بـ(مجموعة إرهابية). وبالطبع كان البارتي يقول ذلك بل وأكثر حين يصفه بأنه (عدو الكرد) أيضا، وطبعا نحن رفضنا ذلك، وبحسب التعليمات التي تلقاها نوشيروان منا لم يقبل بتوصيف الحزب المذكور بالإرهاب.وأغرونا الاميركان بوعود كثيرة، وقالوا ومعهم بريطانيا وتركيا “إذا توصلتم الى إتفاق مع البارتي سنعطيكم نصف موارد إبراهيم الخليل، وسننشيء مركزا قرب (سيلوبي) و نوزع الموارد بينكم و البارتي و بقية التركمان والآشوريين”. ولكننا رفضنا عرضهم، وللأسف رد هذا الحزب على موقفنا القومي هذا بالهجوم علينا لاحقا.
رئاستي البرلمان و الحكومة
بين مام جلال و البارزاني
* قبل إندلاع القتال الداخلي، كانت الأعمال المهمة تنجز من قبل البرلمان و الحكومة بموافقتك و مسعود البارزاني، فلماذا لم تتوليا أنتما المسؤولية مباشرة يكون أحدكما رئيسا للبرلمان و ألاخر رئيسا للحكومة؟
– لم يرض البارتي بذلك، فقد طرحنا هذا المقترح على البارزاني وقلنا له “أي من المنصبين تختارهما نحن مستعدون للموافقة”، وحاولت أن أبرهن ذلك فعليا وليس من وراء الستار، وقلت بأنني راض بأي من المنصبين يخصصونه لي.
* أثناء القتال تعطل البرلمان، ولكنه كان موجودا، فلماذا لم يستطع الإتحاد الوطني أن يجمع كتلته و بعض المستقلين و آخرين من كتلة البارتي لكي يستمر البرلمان بمهامه كما فعل ذلك البارتي بعد أحداث 31 آب 1996؟
– لم نكن نرد أن نستفرد بالبرلمان وإلا كان بإمكاننا ذلك، فالإتحاد حين كان في أربيل أبدى 15 من أعضاء كتلة البارتي إستعدادهم للمشاركة. وأٌقولها للتاريخ بأن كوسرت إقترح علينا ذلك وقال “هناك خمسة عشر عضو منهم وخمسون منا وخمسة من الآشوريين يكون العدد 70 عضوا وهذا يحقق الأغلبية فلنفعل البرلمان وليستأنف نشاطه”. ولكن رفاقنا الآخرين قالوا “ان هذا الأمر سيكرس إنقساما يدوم للأبد، و سيغضب البارتي ولن يتصالح معنا ثانية، دعونا نحافظ على وحدة الصف الكردي ولا نفرقه”. أعتقد بأننا لم نكن دقيقين بهذه المسألة أيضا وأخطأنا لأنه كان يفترض أن نأخذ بمقترح التفعيل.
أحداث 31 آب 1996
* أحداث 31 آب كانت نتاج القتال الداخلي، ما أسباب وقوع تلك الكارثة و لجوء مسعود البارزاني الى صدام حسين لإرسال قوات حرسه الجمهوري لإحتلال أربيل؟
– هذا سؤال على مسعود البارزاني أن يجيب عليه بنفسه، ولكن حسب رأيي فإن جماعة البارتي لوحوا مرارا بهذا التهديد، حتى أن الأستاذ هاني الفكيكي سأل مسؤولا كبيرا من البارتي ما إذا كانت الأزمة تحتاج أن يتدخل المؤتمر الوطني العراقي للوساطة بين الإتحاد و البارتي؟ فأجابه ذلك المسؤول الكبير “ما يحل المشكلة إلا دبابات أبو عدي”! و كان للبارتي علاقات قديمة و مستمرة مع النظام العراقي، وللأسف من أجل تثبيت سلطته كان على إستعداد لأي شيء، فلم يتردد عن أية خطوة، مرة مع الإيرانيين، وأخرى مع تركيا، وأخيرا مع الجيش العراقي فلسان حالهم يردد دائما “البارتي ليس وسيلة، بل هو هدف”.
* وهل كانت لديكم أية دلائل و براهين على وجود علاقة بين مسعود البارزاني و النظام العراقي؟
– كما قلت لك آنفا لم يتردد البارتي للحظة من جلب الجيش العراقي لإحتلال كردستان، هناك بعض المسائل سأرويها لك هنا، كنا نعلم بأن الجيش العراقي سيهجم، فقبل اسبوع من قدومه كنا نعرف بأنهم سيأتون بمساعدة قوات البارزاني، وفي الأساس نحن لم نخف من قوات البارزاني لأنها حاولت مرارا أن تحتل أربيل ففشلت، حتى أن وفدا برئاسة الدكتور محمود و معه بعض الأجانب جاءوا الى أربيل و إلتقوا بمسعود البارزاني لبذل جهود السلام، ورأوا بأعينهم فشل قوات البارتي حين حاولت شن هجومها الكبير على المدينة بقصد إحتلالها، وكيف تكبدوا خسائر فادحة و إنهزموا ولم يحققوا هدفهم، وأصابتهم تلك الهزيمة باليأس والضعف ولذلك لجئوا الى الجيش العراقي. ويروي طارق عزيز في كتابه “أن مسعود طلب منهم المساعدة وأخبرهم بأن أربيل أصبحت تحت قبضة الإيرانيين، وأن جلال والإيرانيين يسعون للقضاء عليه، ولذلك طلب مساعدتهم و أخبرهم أيضا بأن المعارضة العراقية مجتمعة في أربيل وتعمل على التخطيط لإسقاط النظام العراقي والقضاء عليه”.
* مادمتم تعرفون كل ذلك، لماذا لم تتـخذوا إحتياطاتكم و تضعوا خطة للدفاع عن أربيل كي لاتقع بهذه السرعة بأيديهم؟
– قبل هجوم الجيش العراقي تحدثنا الى الاميركيين فوعدونا بأنهم سوف يتدخلون إذا تقدمت القوات العراقية وقالوا سنضربها، ولذلك إعتقدنا بأن المهاجمين سيتعرضون لضربة و بأننا سنستولي على أسلحتهم، وعلى أساس تلك الوعود وضعنا خطتنا.
دور اميركا بأحداث 31 آب
* هذا يعني أنكم حسمتم الأمر و عرفتم بنوايا البارتي و الجيش العراقي و قدومهم لإحتلال أربيل؟
– نعم كنا نعرف موعد وساعة هجومهم، ولذلك إتخذنا إحتياطاتنا بجميع المحاور، ولكن على أساس أن الضربة الاميركية قادمة، ولذلك بنينا خطا للدفاع أمام قوات البارتي، وآخر أمام تقدم القوات العراقية، وقلنا إذا تدخلت اميركا وقصفتهم بالطائرات فبالتأكيد ستنهزم القوات العراقية. حتى أننا خططنا لتحرير قضاء (مخمور) أيضا من أيدي السلطة العراقية، وكان خطأنا القاتل هو تصديق موقف اميركا دون أن نحسب الحساب لإحتمالات عدم حصول الضربة، ولو تأكدنا بأن اميركا لن تضرب لكان يمكننا حينها أن نضع خطط بديلة أقوى مما وضعناها. لقد كان بإمكاننا أن نوزع قواتنا بشكل يضمن تجميع أفضلها بمحور (قوشتبة – بيستانة) لصد هجمات النظام، ثم إخراج جميع قواتنا من مركز مدينة أربيل و نقل مكاتبنا و مقراتنا، و وضع الأسلحة الثقيلة خارج حدود المدينة. وقبل يوم واحد من الهجوم تحدثت من مقري بـ (قلاجوالان) مع روبرت بليترو الذي كان ممثلا لاميركا فقال لي “أطمئن بأننا سنضربهم ونحن نراقبهم جيدا”، حتى أنه أضاف “يجب أن تفرح لأن العراق سيتدخل، فهذه ستكون فرصة جيدة لنا لنؤدبهم”.
* يعني كل هذه التطمينات و الضمانات الاميركية أوقعتكم بالخطأ؟
– خطأنا كان تصديق تلك الوعود فعلى الأقل كان علينا أن نحسب الحساب لكل الإحتمالات و هذا ما لم نفعله، وأقولها للتاريخ، بأن كوسرت إقترح علينا أن ننقل مقراتنا الى خارج أربيل، ولو إلتزمنا بمقترحه لما وقعت كل تلك الأشياء بأيديهم، وكنا سنسيطر على رقعة واسعة من الأرض إبتداءا من (كلك ياسين اغا) مرورا الى ناحية (قوشتبة) و وزعنا فيها أعداد كبيرة من البيشمركة، ولو أعدنا هؤلاء جميعا الى داخل المدينة لكانت الكفة سترجح لنا، لأن المعارك داخل المدن سهلة بالنسبة لنا و أكثر أمانا من حرب الجبهات التي تتحكم بها حركة الدبابات و المدافع و صواريخ الكاتيوشا، ولو فعلنا ذلك لما إحتجنا الى كل هذا العدد الكبير من البيشمركة ودفعهم للأسر، بل كنا نستطيع أن ننسحب بهدوء من المدينة، ولكن ما خرب علينا الوضع وأفشل خطتنا هي وعود اميركا الزائفة بالرد.
* ولماذا تراجعت اميركا عن و عودها برأيك و إختارت الحياد في تلك المواجهة؟
– لا أعرف الأسباب، ولكن دعني أضع أمامك تصوراتي بعدة نقاط:
الأولى: لم تكن من سمات الإدارة الاميركية بعهد الرئيس كلنتون التدخل في الصراعات و الحروب الجانبية، وكانت سياستهم تركز على (الإحتواء) فحسب، وخصوصا في تعاملها مع العراق، ولذلك بدلا من التحرك والإنتقام من النظام وجهوا صاروخين الى بنايتين مهجورتين، هذا الموقف لم يكن في صالحنا.
الثانية: قالوا بأن هذه الحرب هي بين قوتين كرديتين لادخل لنا فيها، فإحداها تدعو القوات العراقية لمساندتها، وخاصة ان العراق كشف بشكل رسمي أن مسعود البارزاني هو من طلب من (السيد الرئيس) إرسال قواته لتحرير أربيل، وتذرع الاميركان بهذه الحجة.
ثالثا: في ذلك الوقت كان نجم الدين أربكان هو رئيس وزراء تركيا، ويقال أنه لم يسمح بإستحدام قاعدة إنجرليك ضد العراق، لأن أربكان كانى يتمنى أن يطرد الإتحاد الوطني من أربيل، وكانت سياسة حكومته تقضي في تلك الفترة بدعم مسعود البارزاني للإستيلاء على أربيل، خاصة وأننا أتهمنا بالصداقة و التعاون مع حزب العمال الكردستاني، وقد يأتي يوم وتسلط الأضواء فيه على بعض الجوانب المظلمة والخفية لتلك المواقف وما حدث ولماذا تغير الموقف الاميركي بغتة وحصل ماحصل..
إنهيار قوات بيشمركة
الإتحاد الوطني
* بعد إحتلال أربيل من قبل الجيش العراقي وقوات مسعود البارزاني إنهارت قوات الإتحاد الوطني ولجأت الى المناطق الحدودية، هل لنا أن نعرف أسباب هذا الإنهيار السريع لقواتكم؟
– لا..لم تكن الفترة قصيرة، فقد صمدت قواتنا داخل أربيل ومحيطها، ولكن الإنهيار كان بسبب أخطاء بعض القادة العسكريين، فقد فشلوا في تأمين إنسحاب منظم، وكان هناك إثنان من قادة قوات البيشمركة لن أذكر إسميهما، أرسلناهما الى (رانية ورواندوز) لتنظيم إنسحاب قواتنا هناك، لكنهما هربا الى الحدود ولم ينفذا الأمر. وهناك قادة آخرون لم يسحبوا قواتهم، وإلا كان بالإمكان جمعهم خطوة بخطوة في السليمانية، ولكن هؤلاء القادة تركوا البيشمركة يهيمون على وجوههم بعد أن هربوا الى الحدود.
* وهل كنت تتوقع هذا الإنهيار السريع لقوات الإتحاد ولجوئه الى الحدود، و بالمقابل هروب البارتي و عودته الى أربيل؟
– بالنسبة لإنهيار قواتنا واللجوء الى المناطق الحدودية لم أكن أتوقعه، فلو إلتزمت تلك القوات بخططنا وإنسحبت بشكل منظم لم يحصل ما حصل، بل على العكس كنا نقدر أن نحمي السليمانية أيضا وننطلق من هناك. مع ذلك فقد كنت أتوقع أن نعود بهذه السرعة وأشهد على ذلك روبرت بيلترو الذي كتب في مقال له “إتصلت بجلال طالباني (كنت في ناوزنك حينها) ورجوته أن لايعاود القتال ويحل خلافاته مع البارزاني بالحوار والتفاهم وأبديت له إستعدادنا للوساطة لحل المشكلات”. ولكني رديت عليه “إسمعني جيدا، لقد تحدثت إليك سابقا فخدعتني، وهذه المرة لن أسمع كلامك، نحن الآن جاهزون وسنهجم وسنستعيد مناطقنا عندها تعالوا أنتم للوساطة وحلوا المشكلات”، ويقول بلترو أيضا “وحدث ما توقعه بإتصالنا، إستعادوا مناطقهم وإستفادوا من تكتيكاتهم السابقة”.
كل الرفاق كانوا متفائلين حول عودتنا المبكرة، وقال الملا بختيار”أعتقد بأن هذه ستكون أقصر نكبة تحل بنا، وستكون نهضتنا أسرع نهضة بتاريخ الإتحاد الوطني”.
وجاء سالار وكوسرت والملازم عمر و قالوا “لنضع خطة محكمة لتحرير مناطقنا ليس باسلوب حرب العصابات، بل بحرب جبهوية كما خططنا لذلك”.
تقييم المعارك
*حسب معلوماتنا شكل الإتحاد الوطني لجنة لتقييم أحداث 31 آب، فهل تمت محاسبة المقصرين في تلك النكبة؟
– لا ..لم يحاسب أحد.
*ولماذا لم يحاسب المتسببين بالهزيمة؟
– لسببين:
الأول: كانت المحاسبة ستطال بعض القيادات، ولم يكن الوقت ملائما حينذاك لمحاسبتهم أو طردهم.
ثانيا: كانت المسألة متعلقة بالتكتلات الحزبية، فلم نرد أن نغلب كتلة على أخرى.
معركة عاصفة الثأر
* في بداية تشرين الثاني من عام 1997 شنت قوات الإتحاد الوطني هجوما واسعا ضد قوات البارتي أسماه بـ(عاصفة الثأر) لماذا لم ينتصر الإتحاد في ذلك الهجوم، ولماذا ساعت تركيا قوات البارزاني؟
– أولا ليس صحيحا أن الإتحاد هزم في تلك المعركة، بل حقق نصرا كبيرا، فكل المناطق التي خططنا للإستيلاء عليها حررناها بظرف ساعة واحدة من بدء الهجوم، بما فيها (تلة حمد اغا) التي تشرف على مقر قيادة مسعود البارزاني من أعلى قمة جبل سفين.
أما لماذا لم نكمل العملية، فلأن الأتراك تدخلوا. ففي اليوم الأول إتصل بي ديفيد ويلش مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأدنى وقال “شيريك بيل معي على الخط ويقول لي أطلب من جلال أن يوقف تقدمه”. وكنا حينها على وشك إحتلال (سري رش) المقر الرئيسي للبارزاني، بعد أن إحتلنا جبل سفين المشرف على المنطقة، ورجانا أن لا نتقدم نحو (سري رش) لأن المشكلة ستتعقد أكثر، وقال ويلش “أتعهد لك بأن أحل المشكلة وفق الإتفاقات السابقة”.
من جانبها أرسلت الحكومة العراقية خبرا يقول”مسعود بالبارزاني إستجار بالرئيس، و (سري رش) هي ملكنا، و يرجوك الرئيس بأن لاتتقدم نحوها، لأننا سنضطر الى الدفاع عنها، و لانريد أن نشترك في القتال مرة أخرى لأنك تواجه حاليا الأتراك ولذلك نرجوك أن لاتحتل (سري رش)؟ وبسبب ضغوطات تركيا و رجاء الاميركان و طلبات الحكومة العراقية توقفنا عند ذلك الحد، رغم أن هذه الوقفة كانت من الناحية العسكرية خاطئة، ولكن من الناحية السياسية لم يكن هناك بد. وفي اليوم التالي وبعدها تدخلت الطائرات التركية في القتال و ألحقت بنا خسائر فادحة بمنطقة (خليفان)، فأحرقت العديد من سياراتنا كي يقطع الطريق على تقدمنا، وكان التحليق يجري بشكل يومي، ثم تقدمت الدبابات التركية وبعدها جاء الجنود الأتراك ليشاركوا في القتل، ولولا تلك القوات كنا نستطيع أن نحقق نصرا كبيرا، فقوات البارتي كانت منهارة تماما.