(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة الأخيرة
جاسم محمد
أبرز الفصائل المسلحة
أولا ـ جيش الفتح : يضم جبهة النصرة، وأحرار الشام، وجند الأقصى، وفيلق الشام، وفصائل عسكرية معارضة أخرى.
ثانيا ـ جبهة ثوار سوريا تضم وفق بعض التقديرات نحو خمسة وثلاثين ألف مقاتل، رغم خسائرها فهي ما تزال قائمة في جنوب سوريا وفي حلب وريفها.
ثالثا ـ الجبهة الإسلامية وهي اندماج فصائل وألوية إسلاموية سورية مع (جيش الإسلام وحركة أحرار الشام ولواء صقور الشام) وقد تحولت داخل “الجبهة الشامية” في حلب وتضم (الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وحركة نور الدين الزنكي وجبهة الأصالة والتنمية).
رابعا ـ جبهة النصرة، فهي اكثر الفصائل تشددا، المصادر قدرت عدد مقاتليها بسبعة ألاف مقاتل تمثل مشروع مواجهة دائمة، تم ادراجها ضمن فصائل المعارضة من قبل بعض الاطراف الراعية للمعارضة السورية.
ويقول حنا إلياس الباحث في الشؤون العسكرية “إنّ القلمون تمثل خاصرة طرية لحزب الله، فهي ممره إلى سوريا، وهي مركز ثقل شيعي مؤيّد له، فإذا سقطت في يد المعارضة، فسوف تُسد الطريق أمامه بالاتّجاه السوري، علما بأنه لا يمكنه الانطلاق من شمال لبنان إلى سوريا لأسباب منها أنّ الشمال يحتوي على غالبية سنية غير مؤيدة له”.
هذا وقد سُرّبت معلومات إلى وسائل الإعلام، مؤخرا، تفيد بوجود مشروع لتقسيم سوريا إلى قسمين، أحدهما يتبع القوات النظامية والآخر يتبع المعارضة السورية. وربّما تقف هذه التسريبات وراء تصعيد المعارضة السورية المسلحة لجهودها ومحاولة توحيد صفوفها خاصة في القلمون وادلب وجسر الشغور خلال شهر أبريل المنصرم، خاصّة أنّ المعارضة المسلحة قد استفادت من تجربتها السابقة في إدلب، مما دفعها لتعزيز تقدّمها باتّجاه الساحل واللاذقية.
تباين في وجهات نظر الداعمين
وقعت واشنطن وأنقرة وقطر منتصف شهر فبراير 2015 اتفاقا يقضي بتدريب عناصر سورية في قاعدة تركية من المقرر أن تكون في مدينة كير سهير التركية، وسط الأناضول، على أن يبدأ تنفيذ هذا الاتفاق مطلع شهر مايو الجاري. ويخضع هذا المشروع إلى إشراف البنتاغون، ويمتد على ثلاثة أعوام، على أن يقوم بتخريج خمسة آلاف مقاتل مدرّب سنويا. ويذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هي الأخرى لديها اتصال ومشاريع عمل مع فصائل المعارضة المسلّحة.
وقد أعلن وزير الدفاع الأميركي، كارتر، يوم 7 مايو الجاري، بـ”أنّ الهدف من تدريب الفصائل المسلحة هو مقاتلة داعش”، غير أنّ مصادر من البيت الأبيض ذكرت في تصريحات لاحقة أنّ هؤلاء المقاتلين يمكن أن يستخدموا ضدّ النظام السّوري. السياسة الأميركية المتلكئة تجاه سوريا دفعت السعودية إلى الأخذ بزمام المبادرة والعمل على إعادة تشكيل المشهد وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أشارت بدورها إلى إمكانية استخدام عناصر المعارضة المسلحة التي سيتم تدريبهم لقتال نظام الأسد، حيث قالت المتحدثة باسم الوزارة، يوم 17 من فبراير المنصرم “وكما قلت سابقًا، ننتظر بطبيعة الحال قيام المعارضة المعتدلة، التي ستخضع للتدريب ضمن البرنامج، باستخدام التدريب والتجهيزات التي سيتلقونها ضد النظام، مع أن تركيز البرنامج هو لقتال داعش”. هذه التصريحات الأميركية المتباينة مع الأهداف التركية القطرية من شأنها كذلك أن تعمّق مشكلة المعارضة السورية المسلحة والسياسية التي تتأثر طبعا باختلاف أولويات الأطراف الراعية، خاصة أنّ الخلاف بين هذه الأطراف بات واضحا؛ ففي الوقت الذي يحتل فيه دحر تنظيم “الدولة الإسلامية” أولوية الأولويّات لدى البنتاغون يأتي تغيير النظام السوري في المرتبة الأولى على أجندة أنقرة. من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بالموقف السعودي المحوري في هذا النزاع، أضحت المشاريع التي تطرحها الولايات المتحدة متأخرة ولا تلقى تأييدا من قبل المملكة السعودية، فالأخيرة باتت غير مبالية بالمشاريع الأميركية المطروحة، ولم تعد تحتاج كذلك إلى موافقة واشنطن على الخطوات التي تعتزم القيام بها، وهو ما تجلى في عملية عاصفة الحزم التي استهدفت التمرّد الحوثيّ في اليمن، وهو كذلك ما يبدو جليا من خلال انفراد السعوديين الآن بأنفسهم في صنع قراراتهم، المتعلقة بدعم تشكيل “جيش فتح” في إدلب وجسر الشّغور.
سياسة أميركية متلكئة
مازالت هنالك العديد الانتقادات التي توجّه إلى واشنطن في ما يتعلق بمدى جدّيتها في دعم فصائل المعارضة المسلحة، إلى حدّ أنّ البعض وصفها بـ”ذر الرماد في العيون”. ففي الوقت الذي تعلن فيه واشنطن البدء بتدريب عناصر تابعة للمعارضة المسلحة، تعلن حركة “حزم” أكبر الفصائل المعارضة القريبة من الولايات المتحدة في منطقة حلب عن حلّها لنفسها واندماج أكثر من خمسة آلاف مقاتل تابع لها في الجبهة الشمالية. وتكمن مشكلة واشنطن الرئيسية في أنّها لا تملك رؤية وموقفا واضحين من النظام السياسي القائم في سوريا، كما أن برنامجها للتدريب يحتوي على العديد من السلبيات، وهو كذلك مفتوح على العديد من الخروقات، وهذا ما جعل موازين اللعبة تتغير أكثر من مرة.
وتتعرض مشاريع تدريب المعارضة المسلحة الأميركية إلى اختراقات عديدة من طرف عناصر “الدولة الإسلامية” ونظام الأسد وجماعات إسلاموية أخرى بغرض الحصول على السلاح والمعلومات. وما يدعم هذه الاختراقات هو أنّ الالتحاق بتلك المعسكرات يكون على شكل جماعات أكثر بدل من كونه يقوم على التحاق الأفراد، وهو ما يدفع إلى تفكك تلك الفصائل التي تمّ تدريبها لاحقا.
وتثير عملية تشكيل وتسليح الفصائل المسلحة بإشراف واشنطن من ثمّة تفكّكها بتلك السرعة، الكثير من الاستفهامات حول الهدف من تشكيل تلك الفصائل وتدريبها بتلك الطريقة غير المؤمنة وتمتيعها بالأسلحة ومن ثمة عدم متابعتها. هذا النوع من العمليات لا يستبعد أن يكون مقصودا، بهدف إطالة الفوضى وإشعال التناحر الذي من شأنه أن يوصل سوريا إلى التقسيم. وقد دفعت هذه السياسة الأميركية المتلكئة، عددا من القوى الإقليمية الفاعلة شأن المملكة العربية السعودية وأطرافا خليجية أخرى إلى الأخذ بزمام المبادرة وسحب البساط من تحت أقدام واشنطن والعمل على إعادة تشكيل المشهد بما يضمن نهاية للأزمة السورية ولمعاناة السوريين لا يخيم عليها شبح التقسيم.
التخاذل الامريكي في سياساته الشرق اوسطية
شهدت سياسة الولايات المتحدة تراجعا كبيرا في اعقاب ادارة اوباما عام 2008 ويعو هذا التراجع الى ان أوباما يحاول ان يرسم “صورة جديدة” للولايات المتحدة، بدلا من صورة المحارب. إن التزام اوباما بتوصيات )بيكر هاميلتون) عام 2006 التي نصت على المهادنة مع الخصوم تحديدا سوريا وايران، تعتبر ابرز سمات ادارة اوباما الاولى والثانية. فأعطى أوباما ظهره الى ملف قضية الشرق الاوسط الجوهرية وهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، هذا الملف لم يشهد اهتماما ولم يشهد تقدما وكأن أوباما نفض يده من هذا الملف. التراجع الاميركي الذي يمكن ان يوصف بأنه خسارة واشنطن لدورها التقليدي في منطقة الشرق الاوسط جائت بسبب سياسة مهادنة ايران في المنطقة ثم تقليص نفقات ميزانية الدفاع واعادة نشر القوات الاميركية. وفي دراسة الى معهد واشنطن في 6 مارس 2015 يقول فيه”روبرت ستالوف” بأن “نتنياهو” لم يدن استراتيجية التفاوض الأمريكية حول التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران فحسب، بل أنه هاجم أيضاً وبشدة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل عام. وتركز حديثه على تعليق مفصّل انتقد فيه إعطاء الولايات المتحدة الأولوية بشكل واضح للتهديد الذي يطرحه تنظيم “الدولة الإسلامية” وليس للتحدي الإيراني. هذه العوامل مجتمعة كانت وراء التراجع الاميركي الذي وصل الى حد التخاذل والضعف في صنع القرارات بسبب سياسة اوباما الاحادية اكثر من اختلاف الرؤى. تبقى ايران وسوريا هي الخيارات السيئة الى اوباما خلال فترته الثانية.
الملف النووي الايراني
اعطت الولايات المتحدة اهمية الى مواجهة تنظيم داعش على حساب الملف النوي الايراني، فأعطت واشنطن الكثير من الوقت وجلسات المفاوضات للوصول الى مهادنة ايران وانعكس ذلك في لقائات كيري وظريفي المتعددة داخل اطراف 5( + واحد). الاتفاق الاميركي الايراني اصبح جاهزا، لكن يتم تأجيل الاعلان عنه في كل مرة لظروف سياسية تتعلق بالجانبين. ألمشكة إن بعض حلفاء واشنطن من دول أوربا والغرب تتفق مع سياسة أوباما التي تتضمن قبول ايران نووية مقابل ضمان تدفق النفط والطاقة بسبب الازمات الاقتصادية، بعض الحسابات الاميركية ذهبت بعيدا الى احتمال سيطرة ايران على مخزون النفط العراقي ايضا اضافة الى المخزون الايراني الذي يعتبر واحد من اكثر الاحتياط الاستراتيجي. لقد اطلق أوباما يد ايران من جديد في العراق واعطى ظهره للتهديدات الايرانية ومنطقة الشرق الاوسط ويتجه صوب اسيا. وفي هذا السياق شدد، الجنرال ديفيد باتريوس، على أن التهديد طويل الأمد للعراق والمنطقة لا يتمثل بتنظيم داعش وإنما في الميليشيات التي تدعمها إيران. وقال باتريوس في تصريحات نقلتها صحيفة”واشنطن بوست” في 21 مارس 2015 ، إن إيران استفادت من الفراغ المؤقت في السنوات السابقة لتتمدد وتفرض نفوذها.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة