صادق باخان *
يمكن القول بموضوعية باردة بأن العراق فقد استقراره السياسي والاجتماعي منذ الاطاحة بالنظام الملكي الذي كان محتوماً ان يزال لان قوتين جديدتين ظهرتا غداة انعقاد قمة يالطا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وراحت بريطانيا العظمى وفرنسا تضيعان في الزحام ولم يكن الجنرال شارل ديغول مسرفاً حين وصف قمة يالطا بانها كوميديا لاقتسام الدموع.
والعراق مذ ذاك الزمن قد دخل في المتاهة السياسية وتوالت عليه المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وقبل هذا الزمن فقد كتب الغرب على العراق ان لا يتجاوز خطين احمرين هما المطالبة بالكويت وتأميم شركات النفط، وترون أن كل من تجاوز هذين الخطين فقد لقي حتفه من امثال الملك غازي ونوري السعيد وعبدالكريم قاسم اما صدام حسين فقد تجاوز هؤلاء في تمرده على الغرب فتولى تأميم شركات النفط وغزا دولة الكويت فكانت نهايته بالتالي محتومة.
كما يبدو فان غزو الكويت قاد لاشتعال الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 ولكن بسبب الشعارات التي رفعها المنتفضون الجنوبيون جعلت البلدان العربية الخليجية ترتعش من الرعب فاستنجدت بالرئيس الاميركي جورج بوش الاب الذي اصدر اوامره للجنرال نورمان شوارتسكوف بعدم التقدم نحو بغداد وليقف في مكانه لان مهمته العسكرية قد انتهت وجاءت المهمة السياسية وبهذا فقد انقذ جورج بوش الاب الرئيس صدام حسين من السقوط وحين جاء جورج بوش الابن الى الرئاسة الاميركية فانه صحح الغلطة الاستراتيجية التي ارتكبها والده فقادت الولايات المتحدة مع بريطانيا الحرب على النظام العراقي فاسقطته في العام 2003 ليبدأ فصل جديد من التراجيديا العراقية بمؤامرات من طراز جديد أعدّها طباخو الاستراتيحيات.
والمثير في الامر ان المؤامرة الجديدة على العراق قد اكتسبت طابعاً مدمراً تجلت في اشعال حرب اهلية حطبها الفتنة الطائفية شاء زعيم تنظيم القاعدة في العراق ابو مصعب الزرقاوي ان يجعل بغداد مثل بيروت مدينة تسكنها الاشباح حين فجر ضريحي الامامين العسكريين في سامراء فانتشرت الفوضى في المدن العراقية واحتلت المليشيات الشوارع والازقة وسقط القانون وراحت الجثث تلقى في الشوارع وفي الانهار وتحول العراق بالتالي الى مقبرة متجولة وراحت دول الجوار تستلقي تحت ظلال الشموع والنبيذ وهي ترى العراق وقد رفع شعارات الديمقراطية والفيدرالية والاعلام الحر واجراء الانتخابات وراحت تهتف: لا تدعوا العراق يستقر، فالعراقيون قادمون سيأكلوننا بالشوكة والسكين وما ان هدأت رياح العاصفة حتى راح امراء الحرب يؤججون الفتنة في المحافظات الغربية ودخلت المجاميع المسلحة على الخط واختلط الحابل بالنابل وانتقلت الفتنة الى محافظة نينوى فاستغل تنظيم داعش ذلك فنقل الحرب من سوريا الى العراق والهدف الجوهري هو – لا تدعوا العراق يستقر لكن العشائر العراقية الابية قد اقسمت ولبت نداء المرجعية العليا في النجف الاشرف واطلقتها صرخة مدوية: لن يمر الغزاة وان النصر للعراقيين وهو آت لا ريب فيه.
وكان من الطبيعي ان تغزو جحافل داعش الاراضي العراقية في وقت لا تمتلك فيه الحكومة العراقية طائرة مقاتلة واحدة تحمي بها سيادتها وامنها الوطني وامن شعبها ، وهل يعقل ذلك والعراق يعد دولة محورية في منطقة الشرق الاوسط ؟ كما ترون فان دولة بحجم اصغر محافظة عراقية هي قطر غدت تفرض وصاياها على العراق وتعمل مع غيرها ليظل العراق بلا اسلحة يدافع عن نفسه امام المؤامرات التي تحاك ضده في هذه العاصمة او تلك ، وكان من الطبيعي ان تلجأ الحكومة العراقية الى شراء طائرات من روسيا الاتحادية وبشأن هذا الجانب فقد قال رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية البي بي سي بأن الطائرات الروسية التي ستصل العراق ستعمل على قلب المعادلة ضد تنظيم داعش لان نقص الغطاء الجوي كان السبب في تقدمه واوضح السيد المالكي بأن عملية شراء طائرات اميركية كانت بطيئة وكان من الممكن تجنب تقدم مسلحي داعش لو كان العراق يمتلك غطاءً جوياً على حد تعبيره .
وفعلاً وصلت عدة طائرات روسية من نوع سوخوي وبدأت تجوب سماء بغداد وبدأت معها جوقة حسب الله تعزف المارشات العسكرية وتوزع الاتهامات بلا حساب وتزعم انها طائرات ايرانية ( خردة ) وليست لها فعالية قتالية لكن عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان السابق السيد عباس البياتي علق على ذلك بالقول بأن الكلام عن تسلم العراق طائرات روسية من ايران عار عن الصحة واوضح بأن العراق اشترى طائرات السوخوي من روسيا بناء على مكالمة هاتفية بين رئيس الحكومة نوري المالكي وبين الرئيس الروسي فلاديمر بوتين اذ تعهد الاخير بسرعة تجهيزها لتأمين حاجة القوات المسلحة العراقية للغطاء الجوي ،ومع ذلك تستمر جوقة حسب الله في عزف نشيدها – لا تدعوا العراق يستقر.
*من أسرة تحرير الصباح الجديد