تحطيم تمثال لـ»مريم العذراء» فوق كنيسة الطاهرة
بغداد – وكالات:
“أسوأ ما في الحرب أنها لا تفرق بين الماضي والحاضر “هكذا يختصر عبد الله إسماعيل، المتخصص في الخط العربي والتراث ظاهرة إزالة التماثيل والمراقد التاريخية والثقافية من مدينة الموصل على يد عناصر من تنظيم داعش المسلح.
ويقول عبد الله بحزن أنه شاهد بنفسه الفراغ الذي تركه تمثال الشاعر العربي أبو تمام بعدما أزاله مقاتلو داعش في 19 حزيران (يونيو) الجاري عن مكانه في منطقة باب الطوب مركز مدينة الموصل.
وفي منطقة رأس الجادة أُزيل قبر المؤرخ الإسلامي أبن الأثير بالجرافات في ذات اليوم وعلى بعد كيلو متر واحد من المكان وتحديداً في دورة المحطة سقط أيضاً تمثال الموسيقار والشاعر الموصلي الملا عثمان الموصلي.
ويشير عبد الله إلى إن إزالة هذه المعالم قد تكون رسالة إعلامية من داعش لتأكيد وجودها، وهيمنتها ولا سيما أن جميع المعالم المُزالة كانت قائمة وسط المدينة، وصورتها ماثلة في أذهان الأهالي باستمرار، وقد تمثل أيضاً جس نبض من قبل داعش للشارع الموصلي لمعرفة ردة فعله قبل الشروع في أعمال أخرى تمس حياة الفرد ذاتها.
ويضيف “بدأوا بتماثيل لأشخاص تعتز بهم المدينة ومع هذا لم يعترض أي من الأهالي ، وكأن ما يحدث في مدينة أخرى، وليس في مدينتهم الموصل”.
داعش لم تكتف بذلك بل عمدت في اليوم التالي إلى تحطيم تمثال لـ”مريم العذراء” كان قائماً فوق كنيسة الطاهرة في منطقة الشفاء في الجانب الأيمن للمدينة وهدمت مرقد الشيخ فتحي بالقرب من جسر المدينة الخامس لكنها توقفت بنحو مفاجىء عن تدمير مرقد الشيخ باهر غرب المدينة.
وينفي موظف آثاري في نينوى ما تداولته وسائل إعلام بشأن تحطيم تماثيل آشورية كانت موجودة داخل متحف الموصل الحضاري في منطقة شارع الجمهورية القريب من مبنى محافظة نينوى، مؤكداً إن الصور التي ظهر فيها أشخاص ملثمين وهم يحطمون تمثالاً تم التقاطها في سوريا وليس في نينوى.
لكنه لم يستبعد أن تقوم داعش بهذه الخطوة لاحقاً خصوصاً وأن عناصر التنظيم سيطروا على المتحف واستولوا على سجلات بأعداد القطع الأثرية الموجودة داخل المتحف، وكذلك الموجودة في المناطق الأثرية المنتشرة في نينوى، لا سيما وأنهم يصفون التماثيل بـ”الأوثان” وإن الفقرة (13) من وثيقة المدينة التي وزعوها بعد دخولهم الموصل أكدت على وجوب تحطيمها.
الموظف الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أكد لـ”نقاش” اختفاء مخطوطات نادرة من قسم المخطوطات في المكتبة المركزية العامة في منطقة الفيصلية في الجانب الأيسر لمدينة الموصل، وهي بمجملها كتب دينية مكتوبة بخط اليد على ورق أو جلود بعضها مزخرف بالذهب، ويرجع تأريخ بعضها إلى 800 عام، وإن هذا السيناريو تكرر في مكتبة الأوقاف العائدة للوقف السني في منطقة الدواسة في الجانب الأيمن.
ويقول الموظف ألآثاري “شُوهد مسلحو داعش وهم ينقلون المخطوطات، وليس أحد سواهم، لأن وثيقة المدينة التي يعدونها دستوراً، تحدد عقوبة لسارقي المال العام والخاص بقطع اليد”.
كما إن تنظيم داعش يلتزم صمتاً يزيد على مشهد الأحداث غموضاً، ولا يعلن عن تحركاته وما يقوم به، بخلاف ما كان يفعل قبل سيطرته على الموصل، من خلال مواقع الأنترنيت التي ينشر فيها صوراً ومقاطع فديو أو بيانات.
المتحدث باسم معتصمي ساحة الأحرار غانم العابد قال بأن التماثيل التي أُزيلت لم تُحطم، وإنما تم رفعها ونقلها إلى أماكن أخرى.
أما الشيخ جمال عبد الله الذي قدَّم نفسه كعنصر في الفصيل الديني الذي يُعرف برجال الطريقة النقشبندية التي تمثل “الجناح العسكري لحزب البعث الإسلامي” فقال لـ”نقاش” بأن الأمر سيقتصر على التماثيل المنتشرة في الشوارع، أما القبور والمزارات وغيرها فأمر مسلم أن يتم إزالتها لانها تتنافى والدين الأسلامي.
متخصصون بأثار نينوى قلقون من محو أي دليل على الحضارات التي تكوّنت في نينوى على مدى سبعة آلاف عام، ويرون بأن الصمت أزاء ما تعرضت له معالم الموصل ورموزها الحضارية سيشجع داعش على تدمير تماثيل ومنحوتات مدينة الحضر التأريخية ( 64 كم جنوب الموصل ).
كما سيشجعها على تدمير موجودات مدينة نمرود التاريخية ( 40 كم جنوب شرق الموصل ) ومحفوظات متحف التراث الحضاري في الموصل الذي تم افتتاحه عام 1951، ويعد ثاني أقدم وأكبر متحف عراقي بعد متحف العاصمة بغداد.
التخوُّف ينصب أيضاً على آثار نينوى التي لم يتم استخراجها بعد من قبل بعثات التنقيب في “تل قينجوق” وهو تل أثري يحيط بمدينة نينوى الأثرية وسط الموصل ويضم بوابات شمش ونركال وغيرها، والقلق ذاته على محتويات متحف التراث الشعبي في جامعة الموصل.
يقول استاذ جامعي مهتم بتراث وتاريخ الموصل بنبرة يائسة “على مسلحي داعش أن يفهموا بأن عصر عبادة الأوثان انتهى منذ زمن بعيد، فهذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ تاريخ نينوى وحضارتها”.