عباس محسن
يعد كتاب “التساؤلات” لبابلو نيرودا من الكتب المهمة وهو آخر مجموعات نيرودا الشعرية كتبها قبل بضعة شهور من وفاته في 23-9- 1973، والذي يحوي بين نصوصه أسئلة كثيرة، اختلفت أنواعها وحتى مضامينها إلى درجة قريبة – ربما – إلى الفلسفية، فبادرت المترجمة سحر أحمد بترجمة هذا الكتاب وكان إصداره العام 2006 عن دار أزمنة فـي عمان. لكن من الأمور التي حملت على عاتقها أن تجد أجوبة لهذه التساؤلات فكان الاقتراح من المترجمة للشاعر حسين عبد اللطيف أن يجد لهذه التساؤلات أجوبة، ولا سيما ان عبد اللطيف قد صدرت له فـي تشرين الأول العام 2012 مجموعته الشعرية الأخيرة والتي حملت عنوان (بين آونةٍ وأخرى.. يلقي علينا البرقُ.. بلقالق ميتة) عن دار تموز السورية. وهي متوالية هايكو تضم 223 قصيدة من هذا النوع ولم يتم الخوض في تجربة الهايكو بنحو مكثف أو مستقل كما حصل مع شعراء الغرب، فالتجارب محدودة وأقل من أن تعدّ في العالم العربي، فلم يصدر الشعراء العرب أو العراقيون بالخصوص مجموعات كاملة من هذا الشعرـ فمعظمهم يُدخلون نصوصاً منه داخل مجموعاتهم الشعرية، ولهذا نستثني تجربة الشاعر حسين عبد اللطيف التي تعد فريدة، ولذا جاءت نتيجة هذا التلاقي – ما بين الترجمة وشعر الهايكو – كتاب جديد حمل عنوان ( بابلو نيرودا كتاب التساؤلات –حسين عبد اللطيف كتاب الاجابات: ترجمة واعداد سحر أحمد)، صدر هذا الكتاب عن دار أزمنة العام 2014، ومن الجدير بالذكر ان هذا الكتاب هو الترجمة الكاملة لكتاب نيرودا الذي حمل عنوان:
( Pablo Neruda Libro de las Preguntas) .
يتكون المطبوع الجديد من 60 صفحة، صمم غلافه (إلياس فركوح)، أما الترتيب والاخراج الداخلي للكتاب فهو لـ ( نسرين العجو)، في حين كانت لوحة الغلاف للفنان إسيدرو فيرير. جاء في تصدير الكتاب على لسان الشاعر حسين عبد اللطيف : “…… وصلني اقتراح من السيدة المترجمة يرشحني شاعراً –هكذا ارتأت هي! – للإجابة على تساؤلات نيرودا الواردة فـي كتابه هذا والذي ترجمته هي، على أن تكون الإجابات اختياراً من متوالية الهايكو خاصتي، أي بما يتناسب منها ــ اتفاقاً، أو عرضاً ــ ليشكل اجابة، أو رداً على تساؤلات نيرودا..)، ويكمل عبد اللطيف في المقدمة قائلاً: “بوصفنا شاعرين، الأول يسأل، والثاني يجيب، وهذا هو مفاد الإقتراح المعروض على الطاولة لمناقشته، آخذين بالحسبان التجربة، والسوية الثقافـية، والمهاد البيئي المعرفـي والآيديولوجي، وطول المسيرة الشعرية من جانب، وقصرها من الجانب الآخر، وما إلى ذلك من اشكالات ولا سيما إذا كان مثلي محدداً ومحاصراً أو موضوعاً بين قوسين عند اختياره الإجابات من متوالية الهايكو التي هي نصوص ما من صلة لها بكتاب التساؤلات، فضلاً عن عددها الأقل الذي لا يكافئ عدد التساؤلات الأكثر.) وختم التصدير الذي جاء في بداية الكتاب عن تساؤل موجه إلى نيرودا فيما لو كان حياً وتسنى الاطلاع إلى مثل هذه التجربة والمحاولة المشتركة ما عساه أن يقول!!
ومن الجدير بالذكر ان المعدين لهذه التجربة لم يكونوا مطلعين أو حتى على علم بوجود محاولة مشابهة قد سبقتهم في إيجاد أجوبة لتساؤلات نيرودا –إلا بعد فوات الأوان- وذلك من قبل الشاعرة الاسترالية م.ت. كرونين وقد قامت بإصدار كتاب عن أجوبة التساؤلات هذه حمل عنوان ( التحدث إلى نيرودا) العام 2004، وترجم هذا الكتاب إلى لغات عدة. ومن الملاحظ ان بعض التساؤلات لم يجد لها الشاعر عبد اللطيف اجابة فتركت مكانها نقاطاً، والسبب هو التحدد بالمصدر من الاجابة بقصيدة الهايكو أو ان هناك تساؤلات متكررة ولكن بصيغة أخرى، ومن الأمور اللافتة للانتباه ان بعض الاجابات هي سؤال استفهامي أو سؤال تعجبي ربما يحتاج هو أيضاً الى إجابة ويقسم إلى قسمين، سؤال مباشر وآخر غير مباشر يتم فيها التلاعب بصيغة السؤال، فعلى سبيل المثال لا الحصر كما جاء في صفحة 13 جاء تساؤل نيرودا كالآتي:
لماذا لا يدربون المروحيات
على جني العسل من أشعة الشمس؟
فيكون التساؤل التعجبي من الشاعر :
من أين للسان الحديد تذوق
العسل !!
ومثال آخر ، كما في صفحة 17 :
لماذا لم يكتشف كولمبس
إسبانية ؟
يكون الجواب هو الجدلية الفلسفية اليونانية القديمة التي تدور حول البداية والنشأة، وهو يصدم العقل –ربما- في البحث عن الإجابة آنذاك، وهو كالآتي:
البيضة من الدجاجة، أم الدجاجة من البيضة؟
والمثال الآخر لهذا السؤال:
لمن تحترق مدقات الشمس
في ظل الكسوف؟
فيكون الجواب :
سُرَّ من رأى
ام ساء من رأى
سامراء؟!
والذي بحد ذاته سؤال وهو ما يسمى اللعب على جناس الاسم (سامراء) فأصبحت (ساء من رأى)، وهي ربما إشارة واضحة لما جرى من أحداث دموية مرت بنا!!