جمال جصاني
بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع ما جاء في ارقام ومعطيات الاحصائية التي صدرت عن معهد غالوب للدراسات والاستطلاع لعام 2013 والذي وصفتنا بـ (الشعب الأكثر تعاسة في العالم) الا ان ذلك لا يلغي حقيقة كوننا لا ننتسب الى نادي الشعوب والمجتمعات التي تتمتع بشروط حياة تليق بعالم اليوم المترع بكل الوسائل والتشريعات والحقوق والحريات المناصرة للانسان. ولم يعد سراً أمر الكوارث التي تعرضنا اليها في العقود الاخيرة، وسيل الهزائم المادية والقيمية المرافقة لها، حيث تهيمن تداعياتها ومخلفاتها الضارة على مفاصل الحياة الحيوية بالرغم من مرور أكثر من عقد على زوال منبع التعاسة الاشد فتكاً. التقرير المذكور تحدث استناداً الى المعطيات التي تمخضت عنها نتائج الاستطلاعات التقليدية والاسئلة الموجهة لعينات عشوائية من شتى بلدان العالم، وهو بالتأكيد عاجز عن سبر الاعماق الفعلية لسعادة وتعاسة البشر، لكن ومع الاختلاف والوسائل والغايات المنشودة لمثل هذه الاستطلاعات، الا انني ارى ايضاً اننا كعراقيين نتصدر فعلاً بقية الشعوب بطوفان التعاسة الذي ارتفع الى مستويات لا مثيل لها بفعل الخراب الذي خلفه النظام المباد والسياسات المتبعة من قبل حيتان العهد «الجديد». مكمن التعاسة الفعلية بالنسبة للبشر لا يمكن ان يختزل بالشروط المادية فقط برغم اهميتها، بل هناك حيث منظومة القيم المتعاطفة مع الآخر وحقه في العيش بكرامة وسعادة، هذه المنظومة التي تعرضت الى محق شبه شامل بعد سلسلة الحروب والتجارب الخائبة التي مازال العراقيون يتخبطون وسط ذيولها الهمجية ليومنا هذا.
ومع مثل هذه الحقائق لا يجدي نفعاً كل ما تمتلكه ترسانة التبجح والغرور من سلع ومواهب، ولا الاحتياطيات الهائلة للرزق الريعي (النفط والغاز) حيث تشير الارقام عن ارتفاع هائل بحجم صادراته. لمواجهة هذا التصحر الشامل في ينابيع الفرح والسعادة، لا سبيل أمامنا غير سلوك الطريق الضد لذلك الذي وضع نصب عينيه مهمة مسخ الانسان وتدمير بوصلته (الوجدان)، لا شيء غير برنامج جاد ومسؤول لاعادة ترميم منظومة القيم التي نسجت للعراقيين مشاريع للعيش كبقية الامم الحرة. ان حالة اليأس من بعضنا البعض والذي تفصح عنه العبارة الأكثر رواجاً بيننا (متصرينه جاره) تعبر عن التضاريس الفعلية لتعاستنا المشتركة..