حضور المرأة وظلال الحرب قراءة في شعرية “نصير الشيخ”

نادية عوض

الإيمان بأن بقدرة الشعر ليست بتغيير العالم، إنما لكي يجعله متوازنا على الأقل في زمن الحروب والخيبات. والشعر هو الصيغة الجمالية لما نريد أن يكون العالم عليه….

للواقع سطوته في التأثير على الذات الشاعرة ولكنه لا يغيرُ من جوهر الشعر.

الشعر طقس بحد ذاته، وهو اللحظة الوجودية الرامية لانسياب الكلمة على الورق، يبعثها الشاعر في مزاج جمالي وفكر متوهج.

الشعر معنى الحياة، وهو النشيد الروحي، هكذا ندخل حقول نصوص الشاعر نصير الشيخ ورؤاه الجمالية (( ذاك أنا من ورثة ذلك النشيد السومري  منذ أول لوح طيني)).

الشاعر كون قلق وينبوع دفاق يصل ماؤه الى مديات لا حدود لها.

نصير الشيخ شاعر يعشق الجمال ويطبعه على سطوره.

توهج المرأة في شعر نصير الشيخ

((هناك…. وعند التخوم البعيدة ثمة امرأة تلوح لنا بمنديلها الذي لا نراه !!))

تتجلى صورة المرأة ومكانتها الفاعلة في حياة الشاعر “نصير الشيخ” كعنصر جمالي ومتميز، مما شكلت إحدى سمات شعره. إذ يعتبر المرأة كائنا فاعلا في حياته وعنصرا جماليا متميزا في قصائده، يستحضرها من خيال يبرق في الذات. لها مساحة حرة في حياته ووجود مكتنز وطاغٍ في نصوصه. يظهر جليا هذا في قوله: “امنحيني يا سيدتي حياة واسألي كيف نكون دون وجود المرأة”…

يجدُ الشاعر نصير الشيخ في تجسيد جمال جسد المرأة في نصوصه، يصورها مبتهجة بأنوثتها وجمالها جسدا وعاطفة، يمنحها الحق في التمتع بهذا الجمال الرباني ..

يفوح عطر الرومانسية في شعره عن المرأة، من ثنايا الكلمات والصور الشعرية   وينقل هذا ببراعة الى القارئ ليشعر بنشوة عشق شفيف وحنين عذب لا ينضب. حروفه هي صوت مشاعره الصاخبة تلامس وجدان القارئ.

من ديوانه كأس لحياة أخرى …

 

(( بين يديك أتلو آية الغفران

وعلى انسراح جسدك

أفتح تاريخ الجنون)).

 

(( من لي بامرأة تتوشح ثوب  الضوء

تقطع حبل السرة بيني وبين مشينة حزني ..)).

 

((هناك السيف يشحذ أنفاسه

لاقتطاع ظلك الذي لا يزال غضا ))

 

((على التماع اقراطك كانت تحط زنابق روحي))

 

((هناك وعلى مقربة من حلمي

تتسامق شجرتا بلوط

ااه إنهما نهداك….)).

هكذا نرى حضور المرأة في الصور الشعرية لدى نصير الشيخ، والتي أجاد فيها رسم ملامحها وتفاصيلها بأبهى صورة، فهو لديه مشاعر إنسانية مرهفة عميقة، يحولها من حالة صمت الى حركة واحساس تنبض بالجمال والعذوبة.  يرسم الصور الشعرية بالكلمات ليحولها الى مشاهد درامية حية في وحدة متكاملة تعبيرا وشعورا عما يجول بخاطره.

تضيف هذه الصور الشعرية برمزيتها وخيالها المبهر الى النص لمسات فنية، تصل بدورها الى وجدان القارئ بجمالية وشاعرية.

في هذه الصور الشعرية المتميزة يقف القارئ أمام تفرد واضح للشاعر في إجادة معمارية النص الشعري حيث يطبع أنفاسه من خلالها لنجده بين السطور يخط بصمة حية للحياة.

 

ثيمة الحرب

تتجلى الحرب في نصوص الشيخ، وجعاً إنسانيا، لكنه في عالم الحروب والخسارات يعلن انتصاره للحب، وللإنسان وللطبيعة والحياة.

فهو ينتصر للحب ضد الموت، وينتصر للسلام ضد الخراب وللجمال والطبيعة ضد الدمار، جميعها معادلات ينتصر الشاعر لها من أجل الإنسانية. ..

استخدم الصور الشعرية بحسٍ رومانسي، مقابل الحروب القاسية على مصير الانسان. كأنه يقول اينما يوجد الحب توجد حياة بأبهى صورها، تنقل الحروف مشاعره بشفافية مطلقة.. ..

((كالحرب أنت بالآس تطالعها وبالأخضر والنشيد تزوق سرفاتها

يا ويلها تبادلنا بالفجائع والشظايا العقيمة))

 

((الشظايا وحدها من ارتكبت معصية النزول الى الأعلى))

 

(( يمد يدا  للندى  يمسك عاصفة من شظايا ..)).

(( شكرا لعطاياك المغلفة بالعويل)).

 

(( بيد ممدودة تحسو الألم وحافة من جوع تجرح الرصيف،

تسلقت الفاقة أثواب البنايات،

ابتنت عرشها على أعشاش مهملة….))

 

 

((أنام على وسادة الحلم وأصحو،

على وشاياتِ المدن )) نص بروق ص 21

 

يتداخل الواقع مع الخيال في شعر نصير الشيخ.. نستشفُ هنا أن الشاعر يصور لنا معاناة الوطن الواقع تحت نير الحروب والحصارات وحكم الطغاة، في طرح وجداني صادق وشفيف يروم الى أن الجمال الداخلي هو الذي ينتصر..

ينشد الشاعر أن يخلق توازنا لهذا العالم القاسي.  فالحرب تقتل الجمال وتحول دون أن تصنع الإنسانية الحياة المرجوة. برع الشاعر في تشكيل النص، وإتمام وحدة المضمون عاطفيا وفكريا، عبر استشعار جماليات النص ومعايشة معطيات الواقع الذي يكتشف المضمون من كل جانب..

ويظل الشاعر عبر قراءتنا لنصوصه، يرسم الحلم العابر لدروب السراب، باحثاً عن عشبة الخلود في سفر الشعر الازلي ضد هياكل الموت والدمار

 

نصير الشيخ، شاعر أنيق وكاتب ثر.. تكتنز حروفه بالبلاغة والحيوية في إيصال المفردة لمديات ابعد. من هنا نرى أن الشعر لديه نشيد روح فياضة ..

يتجسد الشعر في نصوصه عبر رؤى خاصة وطرح وجداني صادق وشفيف، تضخ فيه الشاعرية ماؤها العذب لينساب عطرا في أرواح المعاني.

يقتنص الشاعر من كنوز الكلام جواهرها. ومن لمعة الرؤى بهجتها، ليترك بين أيدينا فكرة شاعرية ثرة ووجوداً بهيا. ويمنحنا معه مخيلة تستل بروقها من أكوان بعيدة.

وفي نصوصه وشاعريته يجسد لنا بها جمال الحياة وجمال الروح في ممازجة عذبة.

حيث يؤكد نصير الشيخ تمايزه في نصوصه الشعرية التي بين أيدينا، ليوسمَ اسمه نجمة لامعة في المشهد الشعري العراقي المعاصر.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة