يوسف عبود جويعد
إن عملية بناء العمل الروائي المتقن، تتطلب من الروائي أن يكون على علم مسبق بعناصر وأدوات وتقنيات صناعة الرواية، وكذلك أن يتحلى بوعي كبير ويشحن أفكاره ويعتلي صهوة هذا الجنس الأدبي المهم، وفي رواية (حياة.. حينانا) للروائي حسين السكاف، نجد نظرية (موت المؤلف) لرولان بارت، حاضرة في عملية تدوين هذا النص السردي، فموت المؤلف مصطلح نقدي يعني اختفاء شبح المؤلف وسماته وصفاته وبصمته داخل النص، ليكون العمل الروائي وجهاً لوجه مع القارئ دون دخيل، وتنطلق الأحداث صافية نقية من منبعها الاصلي، حيث سيمر علينا اسم الروائي مع عنوان الرواية على وجه الغلاف، بعدها سوف يختفي عن ساحة الأحداث، وسنعيش الأحداث وحدها، فسرعان ما نكتشف أن راوية الأحداث هي بطلة الرواية (حياة)، التي ستكشف لنا لاحقاً الكثير من خبايا المرأة وأسرارها وعلاقتها الحميمية مع نصفها الآخر من كل الجوانب، سواءً روحية أو جسدية، وكذلك سوف نكتشف كيف استطاعت (حياة) أن تستغل جمالها، من أجل الوصول الى الغاية التي تريدها، ويصور المشهد التالي عن إمكانية الانتقال الى حياة المرأة وتقمص شخصيتها وكشف الكثير من حياتها:
(تعريت تماماً ووقفت أمام المرآة أتحسس جسدي، وأشكره لأنه منحني تكوين المرأة المشتهاة رغم صغر سني. ) (ص 26 )
وهكذا فإن دائرة تلك الرؤية الفنية تكبر وتتسع لنتابع تفاصيل بطلة الرواية (حياة) التي تبدو لنا في الوهلة الأولى تفاصيل عن حياتها وانوثتها وجمالها ونضوجها ونمو شخصيتها داخل مبنى السرد، لكننا نتفاجأ بأن هذا ما هو إلا تمهيد لأحداث كبيرة وواسعة تخص هذا الجانب (وأقصد به جمالها وانوثتها) والمغريات الأخرى التي تجذب الرجل إليها، وما حقق لها ذلك هو مساحة الحرية التي منحت لها من قبل امها وأبيها، وأول الابواب التي سوف تفتح لنا هو عند شعورها بألم شديد في أسنانها ومرافقة والدها الى كلية الطب لمراجعة دكتور ماجد، ومن خلال جلسات العلاج تسحبه للإحساس بإنوثتها وجمالها، بمحاولات إغرائية، تعرف سرها المرأة ولكنها لا تمنحه الفرصة للوصول الى المناطق المحظورة، ثم ننتقل الى الباب الثاني الذي يكشف لنا علاقتها برجل الأمن في الأسواق المركزية وإغرائه من أجل الحصول على غايتها وهي الحصول على البضائع النادرة والتي تباع خارج الاسواق بأسعار مضاعفة، ويتحقق لها ذلك وبل الأكثر منه، عندما يطلب منها باسل أن تخرج له بضاعته كونه رجل أمن ومسؤول، وهكذا يكون لنا مدخل كبير وخطير وصعب في حياة (حياة) عندما تكلف من قبل باسل بإيصال قناني الويسكي للفنانة ذكرى التي تطلب منها العمل معها، كجليسة أو أنيسة أو صديقة لها، وهو ما نراه ظاهراً لكنه أخطر من ذلك عند دخول شخصية لواء سهيل الذي يعمل في (الشعبة الرابعة) وهو إشارة لجهاز مهم وحساس من أجهزة الدولة، وكما فعلت (حياة) مع ماجد وباسل في عملية الأغراء ودخول العالم الأحمر دون أن تتأثر فعلت ذلك مع اللواء سهيل، الذي يقربها من أجل تجنيدها لتكون واحدة من إفراد هذا الجهاز الذي يمتاز بمهام خطرة للحصول على المعلومات الأمنية، وتوافق (حياة) في الدخول مع افراد الجهاز:
(«موافقة» كلمة واحدة قلتها لسهيل، كانت كافية لأدخل عالماً آخر… عالماً أجد نفسي فيه، بل كانت فتاة أخرى لا تشبهني) (ص 184 )
وهكذا ننتقل الى أحداث أكثر عمقاً وخطورة، بل إنها متاهة كبيرة، وهو القسم الثاني من الأحداث، والذي سوف نستهله بعتبة نصية موازية تقول:
(«في المتاهة»كل صوت.. ضجيج…»)
لنتابع ما حصل على وجه هذا البلد إبان حرب الثمان سنوات، وما هي مهمة (حياة) ودورها في هذه المتاهة التي دخلتها، فقد منحت رتبة ملازم بعد اجتيازها التدريب، وكلفت بمهام خطيرة، منها إنها عملت وسيط في الحصول على الأموال التي يجنيها اللواء سهيل من الأعمال المشبوهة، حيث تنتظر من يحمل المال أمام باب البنك ومن خلال شفرة متفق عليها بين الطرفين تتعرف عليه وتستلم المبلغ المالي، وتضعه في البنك بعد أن تأخذ عمولتها البالغة عشرة بالمئة منها، وهنا يدخل دائرة الأحداث رياض وهو مدير البنك التي تغويه من أجل دخول عالمها لتسهيل مهامها، ويكون له دور في مسار الأحداث، والمهمة الأخرى تعيينها في دائرة البحوث والدراسات للحصول على معلومات، وكذلك تكليفها بمهمة دخول السجن، للحصول على معلومات عن ثلاث نساء دخلن السجن، وكذلك السفر الى شمال البلد، للحصول على معلومات تخص ابناء الشمال والمعارضين للسلطة آنذاك، وتدخل دوامة المتاهة أكثر، وتدور بها بعنف كأنها عاصفة هوجاء، عندما يتقدم لخطبتها أحد المغتربين في (ستوكهولم) عن طريق اختها ويطلب الجهاز والمسؤولين الموافقة على هذه الزيجة لكشف العناصر المعارضة هناك، وتدور أحداث كبيرة هناك اهمها اكتشاف زوج المستقبل بانه بخيل جداً، وتفاصيل كثيرة تحت سقف هذه المتاهة، وتتعرف على الروائي (كريم) الذي سبق وأن قرأت له، لنكتشف من خلاله بنية العنونة كون (حياة) شبيهة بـ (إنانا) فكان يطلق عليها (حياة…حينانا)، ثم نعيش تفاصيل تتعلق بحياة (حياة)داخل هذه المتاهة التي تكشف لنا كبر مساحة المعارضة للنظام الدكتاتوري الحاكم آنذاك، فتلتقط صور وتكبرها لكل من ساهم في إدخالها هذه المتاهة وتضع الصور على الكراسي وتعد لهم وليمة، لتختفي (حياة) دون أن يعلم أحد أين ذهبت.