محمد زكي ابراهيـم
من عادات الزواج في جنوب السودان، البلد الذي كان إلى عهد قريب جزءً من الأمة العربية، أن يُدفع مهر البنت بَقَراً. وحينما يكون مركز العائلة الاجتماعي رفيعاً، يزداد عدد البقرات التي تسلمها عائلة الشاب سليمة معافاة إلى أسرة الفتاة، حتى يصل إلى الخمسين. وليس هذا بالأمر الغريب. ففي تلك المنطقة من العالم تقاس منزلة العائلة بقدر ما تمتلكه من الماشية. لكن الأمر الغريب حقاً، هو أن هذه الثروة لا تذهب إلى بيت العروس، بل توزع على أبيها وأخوتها وأولاد أخوتها، وعمومتها وأولاد عمومتها، وأخوالها وأولاد أخوالها. وهكذا حتى يعم الخير على الجميع، ولا تجني هي منه شروى نقير!
وبسبب هذه التقاليد التي ابتكرتها تلك المجتمعات، باتت البنت الجميلة أو القوية أو (المتعلمة) ثروة كبيرة، تحرص عليها الأسرة أي حرص. وإذا ما رزق الله رجلاً بسبعة أو أكثر من الإناث الجميلات، كما يحدث عندنا في الغالب قبل أن يأتي المولود الذكر، فإن أحوال العشيرة بأكملها ستقفز صعوداً. وينال البركة أفرادها جميعاً. والويل كل الويل لمن يهبه حظه العاثر سبعة ذكور، لأن أحواله ستنحدر حينئذ إلى الحضيض!
ومعنى ذلك كما لا يخفى، أن المرأة ليست هي في جميع الأحيان الطرف الخاسر في هذه الحياة، بل أنها في بعض المجتمعات العنصر الأكثر أهمية وحيوية وربحية، على خلاف ما لدينا نحن في هذه البقعة من العالم. إذ مانزال نتعامل معها بصيغة العطف والرعاية والحرص الشديد. دون الالتفات إلى ما تمتلكه من ميزات.
وقد انتبه (الدستور العراقي) لهذه الحال، وقرر أن يرد لها بعض الاعتبار. فأفتى أن تكون نسبتها بين أعضاء مجلس النواب الربع، ولا مانع من زيادته قليلاً إذا ما اقتضت المصلحة. وأذكر ذات مرة أن بعض الأصدقاء سأل نائبة جميلة شابة لماذا لا تسعى المرأة في بلادنا للحصول على منصب الرئاسة. فشهقت وقالت كيف لنا أن نخوض مثل هذا الصراع المخيف مع النواب الذكور، الذين يتقاتلون من أجل المنصب، ولا تأخذهـم فـي سبيله لومـة لائــم.
تبدو الثقافة العراقية حتى اليوم أسيرة هذه المعادلة غير المتكافئة بين الجنسين. إذ مايزال صوت الذكر هو الأقوى. ومايزال أداء الأنثى هو الأضعف. مع أن جل الوسط الثقافي من المؤمنين بالمساواة، بين الرجال والنساء، والعمال والفلاحين، والوزراء والموظفين، على طريقة الثورتين الفرنسية والبلشفية!
شخصياً كنت أتمنى أن تخرج لنا شخصيات نسوية ذوات حول وطول، في الوسط العلمي والثقافي، مثلما ظهرت من قبل نازك وعاتكة ولميعة وزها. ففي وقت من الأوقات انعقد الإجمـاع علـى هذه الأسماء، ولم يتخلف عن الإشادة بهن، والثناء عليهن، أحد. لأنهن صنعـن أمجادهـن بأنفسهن، وليس بالكوتا النسائية. وأنا على ثقة أن هناك الكثيرات اللواتي سيظهرن في قابل الأيام، بعد أن يتحررن من فكرة الاعتمـاد على الرجل، ويتطلعن لكل ما هو صعب. ففيه تكمن القوة والفاعليـة والحضـور الجميـل.