محمد زكي ابراهيم
يعتقد بعض المؤرخين أن من أسباب تلكؤ انتشار الإسلام في أوربا، أو رفض التعايش معه، في القرون الهجرية الأولى، جهل الأوربيين باللغة العربية، وعدم وجود وسطاء يتولون الترجمة من العربية إلى اللاتينية. وقد انتفى هذا المؤثر في ما بعد بالحضور العربي في الأندلس، والتبادل التجاري مع الجزر والموانئ الإيطالية. أما القبائل الجرمانية التي كانت تقطن شمال أوربا، فقد بقيت تعيش في أمية مطبقة خلال تلك العصور.
وللأسف فإن ترجمة التراث العربي إلى اللغات الأوربية لم تتقدم سوى خطوات قليلة منذ تلك اللحظة. ولم يقم العرب بتسويق نتاجهم الفكري إلى الغرب. بل لم يخطر على بال المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية الاضطلاع بمثل هذا الدور، في حين أنها عنيت عناية فائقة بنقل المؤلفات الغربية إلى العربية أولاً بأول، مع كل ما يتطلبه ذلك من مال وجهد. ليس أقله استحصال الموافقات الأصولية من المؤلف والناشر، وغير ذلك.
وقد روى أحد المستشرقين أنه تحدث في لقاء عام في إحدى العواصم العربية عن إحجام المؤسسات ودور النشر العربية عن تشجيع حركة النقل إلى اللغات الأوربية، فوقف أحد الحاضرين ووجه له السؤال التالي :”لماذا يشجع العرب هذه العملية مع أن القارئ الأوربي هو الذي يستفيد منها؟”. وبالطبع فإن الرجل الذي بوغت بهذا السؤال لم يستطع إقناع السائل أن الأدب العربي هو المستفيد الأول من انتشاره في لغات العالم الأخرى!
وقد حدث ذات مرة أن تعهدت إحدى المؤسسات الرسمية العربية بشراء 100 نسخة من كتاب أجنبي ترجمت فيه بعض القصص القصيرة لكاتب عربي من مواطنيها، تشجيعاً منها لهذه الخطوة الجديرة بالإعجاب. وشاءت الأقدار أن تختطف يد المنون رئيس المؤسسة وهو شاعر معروف قبل إصدار الكتاب، فألغى خلفه هذه “الصفقة” التي لا تكلف مؤسسته سوى مبلغ زهيد !
إن الكثير من الأشخاص اشتكوا مراراً من تحيز الأكاديمية السويدية المشرفة على جائزة نوبل وتجاهلها للأدباء العرب. مع أن بعض الأسماء اللامعة رشحت مراراً وتكراراً. ولم يسأل هؤلاء أنفسهم في ما إذا كانت اللجنة قد سمعت بهذه الأسماء، أو اطلعت على منجزاتها الأدبية، مع عزوف العرب عن إيصالها إلى البلدان الأجنبية. وقد تأخرت هذه الجائزة حتى عام 1989 لأن روايات نجيب محفوظ لم تترجم إلى اللغات الأخرى إلا بعد أعوام طويلة من صدورها.
إذا أراد العرب أن يكونوا حاضرين في أذهان الشعوب الأخرى، فعليهم ليس بنقل نتاجاتها إلى العربية فحسب، بل بنقل نتاجاتهم هم إليها. فالكتابات الوحيدة التي تصل إلى الآخرين حتى الآن هي التي يدونها مؤلفون عرب بلغات أجنبية. ونحن ما نزال حتى هذه اللحظة نخوض جدلاً طويلاً، حول تصنيف هؤلاء. هل هم كتاب عرب فعلاً أو أنهم انفصلوا عن مجتمعاتهم باختيارهم تلك اللغات. فاللغة ليست أداة للكتابة فحسب، بل طريقة للتفكير أيضاً.