باسكال صوما
حين تزوجت صديقتي، اعتقد الجميع أنها وجدت أميراً وسيماً ثرياً يملك كل شيء. حين طلّقت، قالت لنا: هرمت من الادعاء.
نحن المتّهمات بحساسيتنا، برغبتنا المفرطة بالأشياء، بقلقنا وأسئلتنا الكثيرة، بانبهارنا بالهدايا الصغيرة ورقصنا ساعة كاملة بسبب كلمة حب واحدة، وبكائنا بسبب قصة أو فيلم أو طفل جائع. نحن الغاضبات لأسباب لا تغضب سوانا أحياناً. نحن الممتعضات من الحب حين يصل متأخراً ومن الرسائل غير المرفقة بقُبلة بعد “تصبحين على خير”.
نحن اللواتي يطلب منهنّ تعديل جموحهنّ، ليتحوّلن برشاقة إلى نساء منمطات، يتحملن كل شيء بلا شكوى أو اعتراض.
نحن المستعدات لفتح حرب من أجل “أحبك” إضافية، ومن أجل “أنا آسف”، حتى حين لا يكون الأمر مهماً.
نحن لا نكذب ولا ندّعي الهدوء والنسيان ولا نتمهّل قبل قول مشاعرنا كما هي، مهما بدت ساذجة أو مجنونة أو حتى طفولية.
نحن القويات، اللواتي قد ينكسرن بسبب كلمة، فيما يحملن جبالاً وخيبات من شارع إلى آخر، من قصة إلى أخرى.
«أنت حساسة» «تزعلين لأي سبب» «تفكرين كثيراً» «تبالغين في غضبك». هكذا يطلب منا ترويض مشاعرنا وكبحها، تنميق الكلام، اختيار اللحظة المناسبة (التي غالباً لا تأتي)، الانتظار، التأمّل، الصلاة، وكأن هناك من يريد أن تتحمل النساء اللواتي مثلنا، كل شيء من دون اعتراض أو مساءلة.
وهكذا يصبح إحساسنا اتهاماً وسبباً لننصت إلى العالم صامتات، ونقول له طوال الوقت: نحن على ما يرام، هاتِ ما لديك.
لا نريد أن نكون مختصات في علم النفس، يسمعن رجال الأمة وهم يتعثرون ويعانون، فيما عليهن مواصلة النضال بصمت، وكأن معاناتهن غير مهمة. لا لسنا أمهات طوال الوقت، ولا نستطيع الغفران في كل مرة والتصرف وكأن الأرض تدور بانتظام، وهذا كل ما يهم.
نحن أيضاً نعاني ونكتئب ونتعب ونناضل ونكره مرايانا ونفكر بالانتحار وبرَكل الأرض وإن ببرمة خصر ناعمة.
دَور الرعاية الذي أُلصق بنا، مستحيل في أحيان كثيرة. دور المصغية والمضحية والغفورة، أيضاً. نحن نغضب وأسباب غضبنا مهمة بالنسبة إلينا، وإن كانت وردة ذبلت على الطريق أو جرحاً صغيراً في آخر القلب أو الإصبع أو البطن في أول أيام الدورة الشهرية. هذا مهم جداً لأنه يعني لنا ولأننا فيه.
يحتاج الأمر إلى أن نُمنح مساحتنا، ونسمع الكثير من: «عذراً»، «أتفهم ذلك»، «سأحاول»، «فلنتحدث»، «أنا آتٍ الآن» (وليس حين أملك وقت فراغ وحين تسنح الفرصة، وأيضاً ليس غداً).
وذلك بدل أن يطلب منا أن نمسك إحساسنا واستياءنا ونعيش بعيداً منهما وأن نمضي الوقت في تلفيق حالات مستقرة لا نشعر بها. لماذا؟ لأن هناك من لا يريد أن يناقش الأمر ولا طاقة له على الإصغاء والتفهم والاعتراف بذنب أو هفوة، ولأنّ، على الكنبة رجل متعب من العمل (وكأن لا أحد غيره يعمل هنا) ويريد قيلولة.
أما نحن فمطلوب منا أن نكون متفهمات، وألا نفعل سوى التربيت على الأكتاف، فيما أكتافنا مكسورة إنما بصوت خفيض. وأن نعمل وننجب ونتألم شهرياً ونربّي، وندرّس ونطبّب ونحزن ونجنّ… بصمت.
حين تزوجت صديقتي، اعتقد الجميع أنها وجدت أميراً وسيماً ثرياً يملك كل شيء.
حين طلّقت، قالت لنا: هرمت من الادعاء.
كانت تدعي أنها بخير وأن كل شيء على ما يرام. خبّأت غضبها كثيراً، في كل مرة كان يعود إلى البيت مكشراً، وهي تكشيرة تعني: «لا أريد التحدث».
لقد أنهيتُ علاقة جميلة بسبب جملة «لا أريد التحدث». خلفها يختبئ غالباً شخص غير مستعد لتقديم أي دعم حقيقي أو وقت للإصغاء، وإن لما يراه مجرد ترهات. الترهات مشاعر أيضاً، الترهات أحداث وناس وبكاء وضحك وحياة وموت. كل شيء مصنوع من ترهات.
عن موقع درج