-1-
شاعت في خطبُ بعض من تصدّى لاعتلاء المنابر – ممن لم يبلغوا مرحلة القدرة الحقيقية على النفع والعطاء – ظاهرة الاستدلال بالأحلام، ومَنْ رأوهُ في المنام، والتعويل على الاحلام حتى لكأنّها الحق الصراح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..!!
وهذه الظاهرة تعود بالناس الى زمن الخرافة، بعيداً عن النصوص المقدّسة من آيات بيّنات من محكم الذِكْر او روايات صحيحة مأثورة عن الرسول او اهل بيته الطيبين الطاهرين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) .
ومن هنا فهي البضاعة الزائفة، وأين البضاعة الرديئة من البضاعة الفاخرة ؟
-2-
والغريب ان كثيراً ممن يُحسبون على ذوي البصيرة والدراية يستمرؤن ما يسمعون ، وما يُلقِيهِ عليهم اولئك المكثرون في خطبهم ومجالسهم من الأباطيل والأضاليل .
-3 –
وفي كتب الادب والتاريخ حكايات تدل على أنَّ بعض الخلفاء كانوا يعولون على ما يرونه في المنام .
ومن تلك الحكايات الغريبة :
حكاية المهدي العباسي الذي رأى نفسه في المنام يصلي بالناس الى الكعبة ” وشريك بن عبد الله ” يصلي الى غيرها فأهتم بذلك ،
وقال للربيع :
سل عن تعبيره .
فسأله فقيل له :
هذا رجلٌ مخالف لرأي الخليفة .
ان الذي فسر المنام اعتبر (شريك بن عبد الله) مخالفا للخليفة، بدليل أنه لم يُصل الى الجهة التي صلى اليها الخليفة ..!!
وهنا أمر المهدي الربيع – حاجِبَهُ – بأنْ يُحضر شريكا فمضى اليه ،
فراى شريك في وجه الربيع ازورارا فسأله عن ذلك فقال :
انّ امير المؤمنين راى رؤيا غلظ قلبُه عليك لها .
قال :
ما هي ؟
قال :
سيخبرك ..!!
فلما دخل على المهدي سلّم عليه فلم يردّ عليه فقال :
حييت أمير المؤمنين بتحية الاسلام فلم يرد عليّ وما كانت هذه من أفعاله.
فقال المهدي :
إنّي رايت رؤيا دلتني على خلافك إيّاي ، وفساد طويتك في طاعتي فقال شريك :
يا أمير المؤمنين
انها ليست رؤيا يوسف عليه السلام، انّ الرؤيا على أربعة اوجه :
منها وحيٌّ عن الله عز وجل ،
ومنها حديث الرجل عن نفسه ،
ومنها أحلام ،
ومنها تلعب الشيطان
فمن اي الوجوه رؤيا أمير المؤمنين ؟
قال المهدي :
تلعب الشيطان
يا ربيع اخلع على شريك وأحسن اليه .
وهكذا استطاع شريك بفضل قوة المنطق ان يجعل المهدي يتراجع عما وقع فيه ويأمر باكرام شريك والاحسان اليه !!
أقول :
ان المنطق والمعطيات العلمية هي التي يجب ان تسود ،وعندها لن يكون بمقدور أحد ان يوقع الناس في الأوهام مستنداً الى الأحلام .
انّ الخطيب الحصيف لا يستند في وعظه وارشاده الى الاحلام، وانما يُثري العقول بحصائل الفكر، وروائع الحكم،وطرائف الادب، وصحيح الاخبار وعلى المستمعين الواعين الا يتركوا الخطباء المُعوِّلين على الاحلام ان يسترسلوا بما يوردونه من احلام وارقام، فان اصروا قاطعوهم وتركوا الحضور في مجالسهم ، ونبهوا الآخرين على خطورة هذا المنهج ..
حسين الصدر