-1-
ثمة مزاج معيّن يمتاز به بعض الشعراء دون غيرهم
ومن مظاهر هذا المزاج انهم قد يحوّلون الحدث الصغير الى مسألة كبيرة ترصف فيها القوافي وتدبج الأبيات ..!!
-2-
يتلقى الكثيرون منّا هدايا من أصحابهم وأحبابهم، وهي ليست بالضرورة كما يريدون، ولكنهم يغضون النظر عما تتضمنه من عيوب ..!!
اما اصحاب المزاج الخاص من الشعراء فهم لا يتركون القضية تمر دون ان يجعلوا منها قضية تدخل في ذاكرة التاريخ .
وهذا ما صنعه الشاعر ( ابن عُنَيْن ) مع الشريف أبي الفضل سليمان الكحّال الذي بعث اليه – يوم كان بمصر – خروفاً هزيلاً فكتب اليه يشكره ويداعبه قائلاً :
أبو الفضل وابن الفضل أنتَ وأهله
فغيرُ بديعٍ أنْ يكون لك الفضلُ
أَتتني اياديك الي لا أعدُها
لكثرتها لا كُفرُ نعمى ولا جهلُ
ولكنني أنبيك عنها بطرفةٍ
تروقُكَ ما وافى لها قَبْلها مِثْلُ
أتانى خروف ما شككتُ بأنه
حليفُ هوى قد شَفَّه الهجرُ والعَذْلُ
اذا قام في شمس الظهيرة خِلْتُهُ
خيالا سَرى في ظُلمةٍ مالَهُ ظِلُّ
فناشدته ما يشتهي قال حُلْبَةً
وقاسمتُه ما شاقه قال لي الأَكْلُ
فأحضرتُها خضراء مجّاجةَ الترى
مُسلمّةً ما حَصَّ اوراقَها الفَتْلُ
فظل يراعيها بعينٍ ضعيفةٍ
وينشدها والدمعُ في العين مُنْهَلُّ
اتت وحياضُ الموت بيني وبينها
وجادت بوصلٍ حين لا ينفع الوصل
الخروف الهزيل المُهدى الى الشاعر أصبح شبيها بالعاشق الذي هجرته حبيبته واخذ الهجر منه مأخذه ..!!
انه يبدو في غمرة الضحى خيالاً في ظلمةٍ ..!!
لقد كان الخروف يتضور من الجوع ويترقب ان ينال شيئا من الطعام حتى اذا ما ناله انهلت منه الدموع ..!!
ويختم الشاعر قصيدته ببيت أصبح من الأبيات السائدة على الالسن ، فالهدية المرسلة وصلت حين لا ينفع الوصل .
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
-3 –
انّ هذا المزاج لا تجد له نظيراً عند عامة المعنيين بشؤون الشعر والشعراء اليوم ، بينما كان هذا اللون من الشعر ملحوظاً وسائداً عند عامة الشعراء السابقين .
-4-
وليس ببعيد أنَّ الشريف أبا الفضل قد اختار ( الخروف الهزيل ) وَبَعَثَهُ هديةً لتحريك الشاعر وحمله على ان يقول الشعر فيه ليصبح من الطرائف الشعرية ..!!
فلم يكن ارسال الخروف عن بخل وانما كان بداعي تحريك القريحة واقتناص ما تجود به من ظَرف ..!!
حسين الصدر