يوسف عبود جويعد
خيوط متداخلة منسجمة متوحدة، تشكل بناء النص السردي الروائي «حين يكون قدراً» للروائية سمية كريم، التي سوف تقودنا في رحلة نتلمس من خلالها كل معالم المرأة بسلوكها، وطبيعتها، وحياتها، وآمالها، وتطلعاتها، وتداعياتها، وأحزانها، والم الفقد والفراق، وحياة اليتم، ضمن بنية نصية تدخل فيها بطلة هذا النص، ساردة وحيدة تقود هذه الرحلة دون أي مساعد، وتكون عملية تحريك المبنى السردي والأحداث من خلال تفاعلات داخلية تتلون وفق مقتضيات اللحظات التي تمر بها، ومدى تأثيرها وانعكاسها على سلوكها العام، بلغة سردية تنسجم ومسار السرد مطعمة بشعر نثري يضيف صيغة مكملة لعملية شد المتلقي لمتابعة الاحداث التي تدور، ورغم كونها ظلت محافظة على هذا النمط في استخدامها الى اللغة الشعرية المؤثرة والمتأثرة، الا أنها استخدمت الأدوات الفنية والعناصر التي يجب أن تستحضر في عملية فن صناعة الرواية، وتحريكها بشكل متواز، وحذر نحو الحركة الطبيعية لعملية بناء النص، دون أن تكون تلك الشعرية عائقاً يعكر صفو حركة انسيابية الأحداث والإيقاع المستخدم في هذا النص، والذي يميل الى الحس الناعم الانثوي، بكل تقلباته.
وهكذا نرافق وداد منذ بدء نشوئها وفقدها لأمها، ثم لوالدها:
( – وداد أكملي أنا أعدّ..،وداد ماذا رأيت؟ حبيبتي لماذا تنظرين إلى سقف الغرفة؟ ماذا هناك؟ لماذا تبتسمين؟ أبي يجهش بالبكاء تتساقط دموعه على نفس الوتيرة التي يتساقط بها المطر خارج جدران المستشفى… رحلت أمي وتركتْ خلفها يتيماً هو يتيم أمي! ومعه طفلة ناحلة الجسد لم تدرِ كيف ستكون.. ما هو اسمها؟… كيف ستعيش؟… كم ستعاني هذه الطفلة..) ص 13
ومن شدة حزن الأب على زوجته يلتحق بها الى الملكوت الاعلى، فتبقى وداد يتيمة الابوين لتتبناها عمتها في العاصمة، ومن هنا تتحرك الاحداث بشكل يجهل فيه ما سوف يحدث لبطلة هذا النص، وما هو المجهول الذي سوف ينتظرها برحلتها الحياتية التي سوف نتابعها معها، وهذا النوع من السرد فيه شيء من الحرفة، لأن المتلقي لا يريد للأحداث أن تتدفق دون تنظيم، ولا يريد إفساد المفاجآت التي تحدث، فكانت عملية تحريك الاحداث بهذا التأني خطوة موفقة من الروائية لبقاء المتلقي ملتصقاً مع سير العملية السردية، وفي بيت عمتها تكون مع حسن ابن عمتها والذي سوف يكون له دور ضمن المبنى السردي للأحداث، فهو ظل يرافقها لإكمال دراستها والتحاقها بالكلية ومساعدتها في دروسها، ولم تكن علاقة وداد وحسن تشير الى أنها سوف تتطور وتصل حد العلاقة العاطفية، الا أنها ومن خلا ل حلم رأت فيه شاب وسيم أسمه ياسر، والغريب في الأمر أنها تجد ياسر أحد زملائها في الكلية وهو ذات الشخص الذي رأته في المنام، فتنشأ علاقة عاطفية حميمة بينهما، ونرفقهما في علاقة الحب، التي نتابعها بشكلها المنساب الحالم الشفاف، علاقة عشاق، حتى تتم خطبتهما، فتحدث المفاجأة التي تذكرنا بأننا كنا متصلين بتلك العلاقة دون أن نعلم مجريات الحياة في البلد، إذ تنقلنا الروائية الى ما حصل في البلاد بعد أن قام الدواعش بغزو الموصل، وتتفاجأ بأن ياسر حبيبها هو مراسل حربي، في سوح المعارك، ليستشهد ياسر في معارك التحرير:
( وطني شهيد… وما أحلاه من شهيد، شاب وسيم.. كل خصاله تدل على وجود خالق مبدع.. إن هذا الشهيد يكون وطن وداد.. الشهادة تعني أنْ يعود ملاك إلى جنته التي خلق منها.. لذلك عادت ملائكة هذه الأرض إلى جنانها.. وملاكي كان منهم!) ص 117
أن العملية الفنية التي اعتمدتها الروائية في تدوينها لهذا المسار السردي، هو نمو العلاقة العاطفية التي نشأت بين وداد وياسر، وتصاعد هذا النمو ضمن حركة السرد وكبر لتكون تلك العلاقة حالة حب، وبعد التحاق ياسر الى مواجهة العدوا من خلال دوره كمراسل حربي ازداد هذا الحب وضوحاً، وعند استشهاده صار ياسر داخل قلبها وروحها ووجدانها رمزاً كبيراً، وحالة لا يمكن أن تنسى، وبقيت وداد تعيش ذكريات حالة هذا الحب وتتذكر حبيبها:
( كان هذا الموضوع يشغلني، أصبحتُ أفكربه، أضع رأسي على وسادتي أبحث فيه، أريد أن أصل لنقطة فاصلة، أريد أن أجدني، ماذا أريد، ما الذي عليّ إيجاده، أي شيء يستحق البحث والعناء للوصول إليه؟) ص 151
ورغم محاولات حسن التقرب اليها والتودد، من أجل أن يحظى بالقبول، الا أنها تجده في واد وهي في واد آخر، وكذلك تعرفها على زميل لها، لتعلن عن ارتباط جديد وحب جديد، الا أن كل ذلك، لم يستطيع أن يمحو حالة هذا الحب، وتلك العلاقة التي نمت وترعرعت وصارت شجرة وارفة الظلال، لذا فإنها قررت أن تواصل دراستها وتستمر في متابعة مشروعها الفكري من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه.
( لقد كنت أيقونة الرجل، الرجُل الصورة التي بقيت خالدة في ذهني وأظنها ستبقى مدى الحياة)
لقد وفقت الروائية سمية كريم، في أن تجعل من مسار هذا السرد حكاية حب، وحب حين يكون قدراً. فكنا مع حس إنثوي شديد النعومة والشفافية في رحلة ناعمة مؤلمة.