يوسف عبود جويعد
الفارق كبير بين أن تدرس منجزاً روائياً، لأديب له نتاجاته الأدبية، وتعرف سيرته الشخصية والذاتية والأدبية، وما تعكسه هذه المؤثرات من مفاهيم تساهم وتساعد في تحليل النص ونقده، وبين روائي لا تمتلك أي معلومات عنه، ليبقى النص مجرداً من تلك المؤثرات، ويكون وحده الذي سوف يمنحك المفتاح للتوغل وسبر أغواره، وهذا ما وجدته وأنا أقوم بمهمتي في رواية (حدث في الأول من أبريل) للروائي أوكر زيا، الذي أجهل فيه حتى مكان وجوده وهي تجربته الأولى في مجال فن صناعة الرواية.
ولا سبيل لدي سوى متابعة الأحداث في المبنى السردي، واكتشاف مدى إمكانيته في تقريب هذا النص لفن صناعة الرواية، ومدى استخدامه للعناصر والأدوات التي تدخل ضمن بناء النص، فيما يخص الزمان والمكان، شبه مختفٍ أو يكاد يكون معدوماً، إلا من ثلاث إشارات عابرة، واحدة في العتبة النصية لمدخل الرواية، والتي أشار فيها الروائي بتاريخ ولادة زيد بطل هذا النص، الذي أوكلت إليه مهمة إدارة دفة الأحداث بمشاركة السارد العليم عام 1983 ، وفي نهاية النص إشارة تشير إلى مدة كتابة النص للفترة 2015 – 2018 ، وهذه إشارة زمانية لا تفي بالغرض، فيما يخص المكان فليس هنالك معالم توضح بشكل دقيق المكان الذي دارت فيه الأحداث بالرغم من وجود أماكن كثيرة حفلت بها الرواية، منها بيت زياد وبيت كمال والمكتب الذي يعمل فيه زيد، والكلية التي درس فيها، لكنها وصف عام، وربما تعمد الروائي إخفاءها لما يحمل هذا النص من إسرار تخص بطل هذا النص زيد، الذي أتاح له الروائي فرصة طيبة ومساحة كبيرة داخل النص، لكونه السارد الوحيد في أن يبوح للمتلقي في كل ما يجول داخله من إرهاصات ومعاناة وتداعيات وهواجس وأفكار لا يستطيع أن يكشفها حتى لأهله، إلا أنه وجد المتلقي الصندوق الأمين الذي يودع فيه أسراره.
لأن زيد وبعد ولادة شقيقه وسام، وأصابته بمرض سرطان الدم، انشغلوا فيه تماماً وأهملوا زيد ولم ينتبهوا لما يسببه هذا الإهمال من أضرار نفسية مدمرة، وصلت فيه إلى الحد الذي يلجأ إلى جاره كمال، وكان الأخير يراعيه ويحضر أدوات الرسم والشوكولاته التي يحبها، ويتابع حالته النفسية، ثم يغرر به ويغتصبه وهو لا زال غضا صغيراً:
(عاد زيد إلى البيت خائفاً لا يعلم ماذا يفعل، فقط كان يريد أن يصل بسرعة ليرمي مخاوفه في حضن أمه أو أبيه: لأنه كان يعلم بأن ما حدث لم يكن بالأمر الطبيعي كما قيل له، وصل إلى البيت ودخل من ذلك الباب الذي غادره قبل أربع ساعات تقريباً…) ص 25 .
من حالة التأزم الذي حدث لزيد، واغتصابه من قبل جاره كمال، يقودنا بعملية سرد الأحداث، بلغة سردية فيها الخوف والقلق والندم، ويحاول قدر استطاعته جعل العائلة المكونة من الجدة، والأب، والأم، أن يهتموا به أو يلتفتوا له بعض الشيء رغم تفوقه في الدراسة وإخبارهم بنجاحاته المدرسية التي تكون دائماً بتفوق، الأمر الذي وجدته يضر بنفسيته ويجعله يرضخ ويستسلم لإغراءات الجار كمال.
وتدور الأحداث، بحس تصاعدي موفق، في أن يحرك الأشخاص وفق السياقات الفنية التي تتطلبها هذه الصنعة:
(بقيت الأيام كما هي ولم تتحسن أو تزيد حصة زيد من الاهتمام، بل بات أمر التحرش والاغتصاب من قبل جاره أمراً عادياً جداً ومن الأمور الروتينية في حياته!) ص 32 .
ويحدث في أن تشب نار في غرفة وسام شقيق زيد، وتهرع العائلة لنقله إلى المشفى، وهناك يفارق الحياة، وكذلك يموت كمال مسموماً وتكتشف جثته بعد ثلاثة أيام من وفاته، وتتسع دائرة الأحداث وتكبر، لنتابع زيد وهو يدخل الحرم الجامعي، وتنشأ علاقة عاطفية حميمة بينه وبين هديل زميلته في الدراسة، رغم انطوائيته وابتعاده عن علاقة الزمالة والصداقة، وكذلك يعمل في مكتب تدور أحداث مشوقة بين المكانين، ليساهم في معاونة والده الذي أخذه الكبر ووهن عظمه، وقلة حيلته.
وهكذا نتابع تفاصيل وأحداث مشوقة خالية من أي ترهل أو زيادات أو ملل، إلا أن الروائي ما زال في طور التكوين، ويحتاج إلى أن يعرف سر الصنعة ويتقنها، كون أن الملاحظ في الانتقالات بين الكلية والمكتب والبيت، تكون متصلة وخالية من أي فواصل ومستمرة الأمر الذي يسقطه بأكثر من هنة، منها أرباك المتلقي بعدم انتظام عملية السرد بشكل تام، وكذلك الإخلال في الإيقاع والانسيابية في مسيرة الأحداث لضرورتهما داخل النص.
وهكذا تسير الأحداث لنتفاجأ ومن خلال تداعيات البطل، بأن من أضرم النار في غرفة وسام هو زيد، ومن دس السم في شراب كمال هو زيد أيضا لأنه يجدهما السبب في تدهور حالته النفسية والانكسار والإحباط الذي حصل له:
وفي الورقة المنفصلة عن أحداث هذا النص، والتي أراد الروائي المزيد من التوضيح لثيمة الرواية، والتي لا أجد ضرورة لوجودها يقول فيها:
(إهدائي كان “لهم”
لهم هم كل من عاش طفولته مثل زيد، ولكنه قرر أن يكتم ما عاش بداخله وما زال يكتم خائفاً من قباحة المجتمع، ووحشيته خائفاً من نظرة الناس إليه…
إلى كل من كان “ضحية” البشر. الإهمال، التمييز، التربية الخاطئة. الزمن والأقدار لكنه بنظر الناس هو “المتهم”).