- ولاء الصوّاف
الإهداء / إلى طاولة مهملة في شارع أبي نؤاس ..
:
علّقتُ ظلّي على مسمارٍ نابتٍ في حائطِ المبْكى
وَعدتُ أدراجي لأبكي ظِليَّ المسلوب
أتبدَّدُ مثلَ صيفٍ ناحلٍ سقطَ صَريعاً على أعتابِ مُدُنِ الثلجِ..
أختبئُ في المحاقِ بعيداً عن أعينِ العَسَسِ وعصيِّ الدركِ ومناقيرِ الحَمامِ
أَجرُّ ضَلالَتي.. وَفي فَمي الأندلُسيِّ كسرةُ صَمتٍ من قمحِ البلادِ البعيدةِ
بيميني معولُ الوقتِ .. غيرَ أَني لا أنهَشُ غيرَ خاصرَتي نكايةً بصلادةِ الياقُوتِ ..
زمني مُغبرٌ كصحائِفِ القديسينَ .. هَشٌّ كالعالَمِ .. مُتورمٌ كالقضيّةِ .. مُنبطِحٌ كَأَبي الرَّصيف .. واجِمٌ كالجُوعِ .. باردٌ كغانيةٍ جوّالَةٍ .. مائعٌ كالتَّعاليمِ .. يافعُ كالرَّغيفِ.. غَامِضٌ كأسْتِ البلادِ .. غائمٌ كَوَجهِ اللاتِ الحَزينِ .. مُلتوٍ كَهامِشٍ فَضفاضٍ .. حادٌ كالتأويلِ .. مُغتصَبٌ كأسْمي.. مُشرَئبٌ مثلَ عُنقٍ يفسحُ المجالَ لحبلِ السَّجانِ الأَنيقِ ..يا لَبَسالةِ الخَيبةِ..
أعتمرُ خوذةً مُعلَّمةً بالرَّصاصِ .. مَثقوبَةَ الفِكرةِ ..أدخلُ فَهارسَ المخطوطاتِ كَكذبَةٍ ..
أتسلَّقُ الأجسادَ كَوشمٍ..تُنكرني الهَوامشُ والمتونُ ..أنفثُ المعنى سَواداً في البَياضِ .. خَلاياي مَأوى الرُّواةِ .. أمينٌ على وَدائع الأرصِفَةِ من الخُطى .. حارسُ بيتَ الأفكارِ المنزوعةِ من رُؤوسِ الأشهادِ .. خازنُ تفاصيلَ النُّواحِ في مُدُنِ الصَّفيحِ ..
لا حياءَ في معرفةِ التَّفاصيلِ .. !
أحمرُ الشفاهِ على فَم النَّهارِ يُثيرُ فيَّ شَهوةَ البَدويِّ.. يزيحُ عني زَبَدَ البَحرِ وَوَجهَ القتيلِ..وَثَنيُّ الهوى .. مُغامرٌ جَريءٌ .. أَقودُ أنثى الفَراغِ إلى سَريري .. أمارسُ مَعَها لُعبةَ الغيابِ.. أَتبعُ أَثَرَ الماءِ المسْفُوحِ على رَبْوة النَّهدِ ..فَمي يَشعرُ بالنُّعاسِ كُلَّما غارَ بَعيداً عن نَبعِ الحَليبِ..
أَزيحُ الأسلاكَ الشائكةَ عن فَم القَصيدَةِ وأُقبّلُهُ للمَرّةِ الأخيرةِ نِكايَةً بفَمِ البلادِ ..
البلادُ التي تشيحُ بوجهها عَنّي لأَني لَسْتُ فارِسَها
الفارسُ الذي قَبّلَ نَصْلَ السَّيفِ وأَنفذهُ في خاصِرَةِ المدينةِ
المدينةُ التي أَسْلَمتني لأرصفَةٍ مغبرَّةٍ تَلوكُ الحَكايا
الحَكايا التي أَورثني أبي هَمَّ رِوايتِها
الرِّوايةُ التي تَبدأُ من آخِرِ العُمرِ
العُمرُ الذي يَنتَهي في وَحلِ البلادِ
سحْنتي بلونِ الغَيمِ كانت قبلَ شَهيقِ الأَرضِ .. بلونِ الحَربِ بعدَ زَفيرِها ..
أَحتفظُ بِنُدبةٍ من سُلالَةِ الجُّوعِ .. وَجرحٌ غائِرٌ من فاقَةٍ سَمراءَ ..
لطالمَا صَفَعتني الطُّرُقاتُ .. وَهيَ على حَقٍّ .. لأنّي لم أَتحسّس رقصَةَ الضَّوء على شِفاهِها الغجرية .. قَرأتني حِذاءً مُهلهَلاً .. ضَلَّ سَبيلَ العَودةِ ..وبنفثةِ هَواءٍ دافِئَةٍ من فَمها اللَّوزيِّ أسقُطُ بَعيداً في أقصى المجاز ..
الرَّملُ يَشتَهيني .. لا شيءَ يَقتفي أَثري .. إلاهُ وَصَفيرُ الرَّيحِ ..
يَقُودُوني الخَرابُ لبَيتهِ .. وَحينَ يُراقِصُني يَحْمرُّ وَجْهي خَجِلاً .. يَخلَعُ ثَوبَ العِفَّةِ عَنّي .. نَصْلٌ صَقيلٌ مُنتَصِبٌ يَصِلُ الأرْحامَ .. والجُمَلُ حُبلى بماءِ الأبْجَديةِ ..
هائلٌ فَمُ الخَرابِ .. لا تهزأُ .. هائلٌ فَمُ الخَرابِ ..مَنْ يغلقُ البابَ عَلى عُريِّ بَلاغَتِهِ .. مَنْ يَغْلقُ بابَ التَّوبةِ بوجْهِ أصابِعِهِ التي بَعْثرت مَلامِحي ..
أَفْرغتُ رَأسي هواءً في الأقْداحِ .. وَعبأتُ جَسَدي خَمْراً في الزَّمازمِ ..
لُعبَةُ الخَلقِ سَحبت بساطَ المعنى من تَحْتي ..
فَغَدَوتُ جَسَداً مُهمَلاً في حَديقَةِ الأمَّةِ ..
تِمثالَ برونز من عَصرِ النَّكبةِ ..
أُهزُوجَةً آفلةً في ساحَةِ الفردوسِ ..
مَسيرةً صامِتَةً لأَذرعٍ مَبْتورَةٍ تَرفعُ شارَةَ النَّصرِ في التَّحريرِ
مُغْلَقٌ تقويمُ الأَسْلاف ..
يا سماءَ الزَعْفرانِ .. أنا عارٍ .. كَأنْتِ .. نَرْدٌ بلا أَطرافٍ .. كَأنْتِ .. أنا صَدْرُ الغَيْمِ المثْقُوبِ بسهْمِ الدعاءِ .. ذِراعايَ دَمْعُ المجْدليَّةِ .. وساقايَ مَنارَتانِ
مُدوّنٌ في حَاشيةِ الكتابِ أنيَّ اللاشيء .. كـ .. أنتمْ .. تَماماً .. أصحاب المعالي ..
أمارسُ طقوسَ العُزلةِ مع اللاشيء ..أهتكُ سِترَ الليلِ وأنالُ من العَتَماتِ .. أَلبَسُ ثَوبَ الموت العَبثيّ ..أطلقُ الأَغاني الشَّقيَّة الموغلَةَ بالوَحْشَةِ .. فترتَبِكُ في حُنجَرةِ الوَقْتِ الأغاني ..بَعيداً حَيثُ تَسيحُ الموسيقا من أصابعِ النَّهرِ .. وبرِفقَةِ كَمانِ اندريه ريو في مَعزوفَةِ الدُخول الى الجَّنَةِ..
جَسَدُ العَالَمِ .. الملتَصِقُ بي من السرّةِ .. جاءَ ليستردَّ وَجْهه مِنّي ..
صَديقي الوقتُ هَلا توقَفتَ الآنَ .. قفايَ ما عادَ يحتملُ .. الركل المتكرِّر أَضْناني ..
عَليَّ أن أعيد تَشكيلَ لوحة السقوط في فَخِّ التَجربَةِ ..
خُيولُ فائق حسن الهاربة من بلاغَةِ الألوانِ غابتْ في زحام القَتلى ..
كهرمانةُ لم تُسرّحْ شَعرَها .. يَتقاطَرُ من فَمِها دَمُ الرُّمانِ .. تَعدُّ جِرارَها وَعندَ الألفِ .. يَلتَبسُ عَليها العدُّ.. تَناسَلَ الخوفُ فيها .. لذا لا تحسنُ عدَّ الآلافِ ..
للتاريخ ِطَعمُ الحَريقِ..أخبيئُ الفَجيعة في جَيبي وأمسكُ بناصيةِ الدَّهاء..المكيدة تَتبعُني لكن ليسَتْ كَظلّي ..
ظِلّي ! ..آهٍ نَسيتُ أَنه مُعلَّقٌ على مِسْمارٍ نابتٍ في حائِطِ المبْكى ..
يا ظِلّي السَّليب كُنْ بخيرٍ وأنتَ بانتظارِ صَلاةِ الغائِبِ ..
***
* دفق اللافا : الصهير البركاني