القسم الأول
سلام مكي
من الكتب المهمة التي تناولت الشعر العربي، هو كتاب الدكتور محمد النويهي ” في قضية الشعر الجديد” والكتاب، صدر عام 1964 وهو عبارة عن محاضرات ألقاها النويهي على طلبة الدراسات العليا في معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية، ذلك أن النويهي رأى أن الحديث عن موضوع مهم وحيوي، كان يمثل الشغل الشاغل لمثقفي تلك الفترة، لابد أن يطرح أمام شريحة ناضجة ومؤثرة وهي طلبة الدراسات العليا. والنويهي هنا، إنما يسعى لأن يقول بأن آراءه ليست مقدسة، ولا نهائية، ذلك أن طرحها في مكان معين، يعني انه يسعى لاغناء ذلك الطرح، والأمل بوجود آراء مختلفة، أو مغايرة تغني البحث، وصولا إلى فكرة ناضجة. وما أن يكاد تقديم الكتاب ينتهي، حتى نجد أن النويهي يقول لقارئه: فما دمت أيها القارئ الكريم، ممن يهتمون بالشعر ومصيره، ويدركون مدى أثره في إحياء روح الأمة والحفاظ على كينونتها القومية وإرهاف عبقريتها الخاصة… وهذا ما سيعطي انطباعا لدى القارئ بما يريد النويهي قوله في بطن الكتاب، فالشعر الذي يهتم بمسميات سياسية وفكرية ويسعى لأن يكون حارسا لأفكار وقيم بائدة، وأن يكون في مقدمة المدافعين عن تيارات معينة، ذبلت وتلاشى عبيرها الذي رأت فيه جماعات معينة أن العطر الوحيد الذي على نم يدخل في الحديقة شمها، وإلا فإن عليه أن يخرج أو يتخلى عن أنفه. الشعر الحقيقي، هو من يعبر عن الشاعر، ويحقق نشوة روحية، عبر انتقاء ألفاظ وتراكيب جملية تسهم في إطفاء الشعلة المتقدة في روح الشاعر. يدعو النويهي في كتابه الى مسألتين، الأولى: الى اقتراب لغة الشعر من لغة الحديث. والثانية: الدعوة إلى تغيير الأشكال الشعرية تغييرا مستمرا. ذلك أن التغيير المستمر الذي يطرأ على لغة الكلام يبغ مرحلة تتحول لغة الشعر التقليدية منقطعة عن لغة الكلام الطبيعي، وكذلك فإن الأشكال التقليدية تصبح غير قادرة على حمل الكلام الجديد. النويهي، يرى أن تغيير الشكل الشعري فقط، هو القادر على مواكبة التغير المستمر في لغة الكلام، دون المضمون، فلا ضير أن يبقى الشعر محتفظا بالوزن والايقاع القديم، الذي كان سائدا في العصور القديمة، واليوم، وبعد التغيرات الكبيرة التي طرأت على لغة الكلام، ودخول مصطلحات جديدة والتحول الكبير في لغة التخاطب بين الأفراد، وموت ألفاظ وولادة ألفاظ جديدة، وتغير سرعة إيقاع الحياة، وانتفاء الحاجة وقع أقدام الجمل، والتخلي عن عمود الخيمة واوتادها ومصراعها، والتحول نحو المدينة والحضارة، رغم ذلك، فإن الشعر الذي بني على هذه المفردات والمكونات، يمكنه أن يواكب الوضع الجديد، بشرط أن يتغير شكله، فلا يمكن للشطرين ان يجاري تغيرات الكلام العام، بل لابد من هدم الشكل القائم على الشطرين، وإحلال شكل جديد محله، وهذا الشكل ليس نهائي، بل سيتغير ويتجدد، متى ما تغير وتجدد الكلام العام للأفراد. والدعوة إلى اقتراب لغة الشعر من لغة الحديث وتغيير الاشكال الشعرية تغييرا مستمرا، دعوتان لازمتان أقوى اللزوم لتجديد أدبنا العربي تجديدا صحيحا. ورغم أن النويهي ينتظر استغرابا واعتراضا على هاتين الدعوتين، إلا أنه ينتظر استغرابا واعتراضا عليهما! يتحدث النويهي عن الشعر الحر ويبين أن مفهومه عند إليوت يختلف عن المفهوم السائد لدينا، فالشعر الحر عندنا هو الذي يتخلى عن القافية ويغير بحور الشعر داخل القصيدة الواحدة، في حين إن إليوت يرى ان الشعر الحر هو الذي يتحرر من اي ترتيب ايقاعي.