احلام يوسف
يقول الفيلسوف والناقد البريطاني بيرتراند راسل في كتابه “الفوز بالسعادة” : “السعادة ليست هروبا من الواقع ومآسيه إنما التحرر من تأثيره فينا وسيطرته علينا ” ويقول الكاتب والمفكر المصري حسين أمين في كتابه “كيمياء السعادة” إن جهل الغالبية بالتاريخ يسهل على الناس تزييف الماضي فلو عدنا إلى الماضي بملابساته الحقيقة بعد تقديسه وتفخيمه لأصابتنا خيبة أمل عظيمة”.
هنا لابد لنا من الوقوف عند حالة “السعادة” التي حصرها البعض بالماضي، والحياة البسيطة البدائية الخالية من كل معالم التكنلوجيا، لا بل ان العديد من الاشخاص في اميركا تركوا اعمالهم وبيوتهم وحياتهم المرفهة ليعودوا الى حياة البرية، وكأن الحداثة والتكنلوجيا لم تضف على حياتهم الا صخبا وفوضى زادتها قلقا وتشويشا وارهاقا. بعض الاشخاص سألناهم بناء على ما يرددوه من رغبتهم للعودة الى الحياة البدائية، بعيدا عن كل الطور والحداثة التي غيرت الحياة 360 درجة. لماذا؟ في الوقت الذي يجد العديد من الشباب انهم محظوظين لانهم ولدوا في زمن التكنلوجيا ويواكبون كل تطوراتها.
سلام عبد الله “45 عاما” يقول: عندما تتحدث والدتي عن الحياة التي عاشوها في الأربعينيات والثلاثينيات اجد انها حياة مريحة، وجميلة، فلم يكن هناك هم غير الحصول على الطعام، والذي كان متوفرا بكثرة حيث صيد الاسماك والحيوانات التي يربونها فيستهلكون منتجاتها طازجة، لا علم لهم بما يحدث في أي بقعة اخرى ليس في العالم حسب بل حتى في القرى الموجودة في المحافظات الاخرى، وهذا قمة السلام والرضا، فبم فادنا العلم ومعرفة اخبار العالم غير الم وحزن وقلق مضاف، فبتنا نحزن على حالنا وحال كل فرد في هذا العالم بسبب الاخبار التي تتناقلها وسائل الاعلام والانترنت الذي حول العالم الى قرية صغيرة ويا ليته ابقاه عالما كبيرا شاسعا.
نهى كمال “24 عاما” حقيقة انا احسد اجدادي على حياتهم البسيطة، كانوا يعيشون بسلام داخلي نفتقر اليه جدا، فنحن اليوم نعيش حياة يملؤها الصخب بكل تفاصيلها، احيانا اشعر بالإرهاق بمجرد الاستماع لما يحدث في هذا العالم، ويا ليتها كانت اخبارا طبيعية، فحتى لو اني ابتعد عن متابعة التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، فسأسمع الاهل او صديقاتي وهم يخبروني باخبار فلان وعلان والبلد الفلاني والبلد العلاني، فانا مثلا ابتعدت عن مواقع التواصل ومتابعة الاخبار في التلفزيون منذ شهر وركزت على اليوتيوب وسينمانا لمتابعة مسلسلات وافلام، لكن ما حدث لبيروت احدث صدمة وخيبة وحزن والم و…الخ، فيا ليتني عشت ايام جدتي، فلا ادري ما يحدث هنا او هناك، همي محصور فيما يحدث داخل القرية التي اعيش فيها، والتي غالبا ما تكون مشكلاتها بسيطة وربما ساذجة بالمقارنة. فعلا اشعر اننا اجيال متعبة، لا تعرف معنى الراحة والسعادة الحقيقيتين، حتى الضحك لا يضحك أي منا ضحكة “من القلب” فالقلق والخوف والتوتر السمة الغالبة على حياتنا.
الباحث بعلم الاجتماع حسن الجبوري يقول ان إن الحاضر ما نملك مفاتيحه فعلا، فالماضي ولى، والمستقبل لا احد يعلم ما سيكون عليه، لذلك فمن يبحث عن السعادة، عليه ان ينسجها من خيوط الحاضر حتى من ظلامه وحزنه، فالسعادة مرتبطة بنحو مباشر بطبيعة الفرد وشخصيته، ومقدار قناعته ورضاه وتقبله للواقع. علينا ان نروض انفسنا على الاستمتاع بكل زاوية بسيطة كانت ام معقدة، نروض انفسنا على الامتنان والشكر لاننا ما زلنا ننتمي الى الحياة والى عالم الاحياء، مازلنا نتنفس ونفكر فما زال مستقبلنا بايدينا لذلك، بدل ان نركز على زاوية واحدة، ان الماضي افضل من الحاضر، فلنركز على امكانية احالة الحاضر الى واقع اجمل والتخطيط لبناء مستقبل افضل، فالماضي لم يكن يوما مثاليا، لكننا نطمح للعودة اليه لاننا نجهل تفاصيل الحياة فيه.
يقول خبير التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية إبراهيم الفقي: (إن كل يوم تعيشه، نعمة من الله فلا تضيعه بالقلق من المستقبل أو الحسرة على الماضي).