سوران محمد
تطرق الاستاذ الجليل محمد زكي ابراهيم في مقاله (التفكيك والتشكيك) في جريدة الصباح الجديد الی نقاط مهمة و حساسة عدة، حيث تحتاج الی نقاش أكثر كي يكون القارئ علی بينة من امره حول مقاصد المقال و استنتاجاته.
انا بدوري كقارئ ومتابع ثقافي و أدبي لست في منزلة الحاكم أو القاضي أحكـم بشكل عابر بالرفض أو القبول علی أعمال السلف من المفكرين والفلاسفة شكلا و مضمونا، سواء أکانوا محليين أو أجنبيين، ولو ان آراء الفلاسفة دوما قابلة للأخذ والرد، الا انني هاهنا اريد ان القي الضوء علی بعض جوانب کلام أستاذنا الكاتب والصحفي محمد زكي ابراهيم القدير في هذا الصدد.
لاشك ان ما يقوم بە الاستاذ محمد زكي ابراهيم كمبدء و الجوهر هو عمل عظيم و خدمة جليلة، خاصة في هذه الايام والتي تجمدت فيها دور الكلمة ولقد تهمشت في واقعنا اليومي و صارت آخر شيء في سلم الاولويات عند الناس، وبالمقابل لقد اشتغل كثير من الناس بنزاعات لا جدوی منها، و من وراء الكواليس والستائر تنشر ايادي اقليمية ودولية الجهل بين صفوف الناس و يحرضونهم علی سفك دم البعض وخلق نقاط الاختلاف بيننا… ومع الاسف الشديد لهم آذان صاغية و سواد عظيم من المريدين والتابعين، دون الرجوع الی المصدر الصحيح والمٶثر في القرارات داخلنا الا وهو العقل، والذي اودعه فينا الله سبحانه لينير لنا طريق الحياة و نختار الافضل بين الموجودات و نحل بە معضلاتنا، بل نبدع به و نخترع و نبني المستقبل الافضل لنا وللأجيال القادمة، ولعل ضعف (جواز السفر العراقي) والقابع في أسفل القائمة عالميا خير برهان علی كلامنا هذا ودون أن يلقي أحد المسؤولية علی نفسه أو جماعته! اذا فمن المسؤول؟ ها هنا يتبين دور الكلمة والحوار كي نفتح به أبواب العقول و نتقارب من البعض بدلا من تحريك عواطف الكراهية والنبذ فينا.
أما بالنسبة لآراء الكاتب الحبيب فأنا لا أشك في اخلاصه و حسن نيته أثناء كتابة مقاله، لكنني لاحظت فيها توجها تقليديا لرفض کل جديد و قبول القديم، وهذا المقياس العام للأشياء سيعزلنا عن العالم الخارجي والتطورات الحضارية أكثر فأكثر و يزيد الطين بلة، لكننا كبشر نحتاج الی التواصل مع الاخرين بقبول الجيد و رفض السيء وهذا ما يرجحه العقل والتجارب والفطرة….الخ
لقد کتب الاستاذ محمد في مقاله:
” بيد أن التغييرات الطبيعية التي كابدها النظام الرأسمالي الغربي عجلت بظهور العولمة في تسعينات القرن الماضي. وهي حركة ترمي إلى تقويض المباني الفكرية التي أقامتها الحداثة خلال قرن أو يزيد. وظهرت التفكيكية التي ألغت النظام المركزي، والمقولات الأساسية، وأفكار عصر الأنوار، والمعارف الأخلاقية. وحصرت إدراك الإنسان لواقعه عبر مصالحه الاقتصادية وغرائزه الجنسية… إن ما بعد الحداثة، أو ما بعد البنيوية، ليست إلا معاول للهدم، وأدوات للتفكيك”
لكن من الحصافة ان نشير الی تعاطي العالم الغربي في الماضي بالإيجاب مع ثمرة ابداعات علمائنا و فلاسفتنا و وجدوا فيهم ضالتهم کعلوم المنطق والأخلاق والنظرية المعرفة و الطب لفارابي و الكيمياء و الطب وطب الروائح والفلسفة لأبن سينا وعلم الاجتماع والاقتصاد والفلسفة والسياسة لأبن خلدون وغيرهم، مع ان الحكمة ضالتنا و نحن احق بها الا ان التعنت والحساسية مع کل جديد تعتبر سلوكا نفسيا مرضية، فلنفتح عقولنا للعالم الحديث و نناقش الطارئ المستجد و نستفيد من زادنا الغني الموروث كي نكون علی مستوی التقدم المطلوب و لا نتخلف من الركب الحضاري.
أنا لا أدافع عن النظرية التفكيکية وأری فيها نقاط ضعف وقوة معا، لكنني تعجبت حينما لاحظت ان السيد محمد يرجع ظهور التفكيكية الی تسعينات القرن الماضي، في حين انها أظهرت في أواخر الستينات من القرن العشرين، من هنا لاحظت ان مرور السيد محمد بهذا لموضوع يعتبر مرورا عابرا و شكليا دون التعمق في جوهر کلامه و دراسة المذاهب الفكرية والفلسفية والادبية بدقة و تفاصيل.
جدير بالإشارة ان التفكيكية أيضا الهمت التفكيكية في العمارة وظلت هام في الأدب والموسيقى والنقد الأدبي والمشاريع النظرية في الإنسانيات، بما في ذلك مجالات القانون وعلم الإنسانيات وعلم التأريخ واللسانيات وعلم اللغات الاجتماعية والتحليل النفسي. أما في الادب فهي منهجٌ فلسفيٌّ وطريقة جديدة لقراءة النصوص، ترى أنَّه لا يوجد تفسير واحد للمعنى في نصٍّ ما، بل هي تفسيراتٌ غير محدودةٍ، و هدف التفكيكية هو إظهار أن استخدام اللغة في نص ما واللغة ككل معقد غير قابل للتبسيط، وغير مستقر، أو مستحيل. من خلال قراءاته، وإنّ القراءة التفكيكية ليست هي التي تقول ما أراد القول قوله، بل تقل ما لم يقله القول.
ولم تکن نظرية دريدا بمعزل عن سالفتها، اذ كانت نظرياته عن التفكيكية متأثرة بأعمال لغويين أمثال فرديناند دي سوسور (الذي أصبحت كتاباته في علم العلامات حجر زاوية في النظرية الهيكلية في منتصف القرن العشرين) والنظريين الأدبيين مثل رولان بارت (الذي كانت أعماله بحثا في النهايات المنطقية للفكر الهيكلي). کما ان عندنا تنقسم حركة النقد الأدبي إلى مرحلتين رئيسَتَيْن، الأولى: من العصر الجاهلي إلى بدايةِ عصر النهضة في القرن 19، والثانية من عصر النهضة إلى يومنا هذا، وتاليًا حديث عن التفكيكية إحدى أهم النظريات النقدية الحديثة في الأدب.
ولو رجعنا إلى الخطاب النقدي العربي المعاصر فإننا نجد بعض الأقلام المتميزة التي اهتمت بهذه القراءة وحاولت تطبيقها على بعض النصوص العربية ومن أبرز هذه الأقلام: عبد الله الغذامي في مؤلفيه “الخطيئة والتكفير” و”من البنيوية إلى التشريحية”، و عبد المالك مرتاض في تطبيقاته على “حمال بغداد: تحليل سيميائي تفكيكي”، و”ألف ياء: دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليلاي لمحمد العيد آل خليفة، و”تحليل الخطاب السردي: معالجة تفكيكية سردية.