جمال جصاني
منذ اكثر من عام ووسائل ومنصات وفضائيات ومواقع الاعلام المتعددة الوظائف والغايات، تشهد انطلاق حملة واسعة ومنظمة، وتحت ذريعة الرواتب والمخصصات التي منحها قانون السجناء السياسيين لسكان مخيم رفحا السعودي. حملة مسعورة بعيدة عن المسؤولية والانصاف، لم يكن الجانب المالي للموضوع الا “قميص عثمان” يتم من خلاله تشويه سمعة وحقيقة حال هذه الشريحة والتي يشكل ضحايا النظام المباد جسمها الاكبر، من الذين منحتهم الاقدار فرصة العيش بعيداً عن المقابر الجماعية. ان حقد فلول النظام وايتامه المسكونون بالحنين لحقبة العبودية والدونية والاذلال، يمكن فهمه فـ “الطبع يغلب التطبع”، لكن ما عذر هذا الكم الواسع من المهرولين خلف تلك الحملات الممنهجة..؟ بالنسبة لي شخصياً لا أستغرب مثل هذه الفزعات الماكرة، فقد اطلعت وعشت تفاصيل مثل هذا الدهاء والمكر والرشاقة التي “تلقي القبض على الضحية وتطلق سراج الجاني) وتناولت في كتاباتي نماذج من عمليات تشويه وتسقيط سيرة افضل ما انجبته هذه الارض من ثوار واحرار، فهذا ليس بالشيء الجديد على ورثة تقاليد الماكنة التي روجت قبل أكثر من 1400 عام بأن “الحسين قد قتل بسيف جده”..
لسنا بحاجة الى هدر الجهد والوقت لتفنيد ما تم تسطيره من جهابذة الحملة المنظمة ضد شريحة الناجون من المقابر الجماعية، الارقام الاسطورية للمبالغ والامتيازات وغير ذلك مما تجيده ماكنة ادمنت على تحويل الحق الى باطل وبالعكس، ولا كل الفنون التي اتبعوها لالقاء عجز الموازنات على شماعة ما سموه بـ “قانون رفحا” فبمقدور كل عراقي منصف وبقليل من الجهد، معرفة ان هذه الشريحة والتي لا يتجاوز عدد من شملهم 20 الف شخص، تخضع لقانون السجناء السياسيين وسلم رواتبه تبدأ بـ 400الف دينار وتنتهي بـ مليون و200الف كأي سجين سياسي آخر، وهي لا تشكل شيئا أمام ما لا يتجرأ سدنة هذه الحملات من التقرب الى مصائبه واهواله؛ أي فرهدة الدمار الشامل التي ابتدأت بتطويب حصة كولبنكيان 5% من النفط العراقي، والتي ذهبت لحساب “الاخطبوط” منذ بداية السبعينيات، الى لحظة تفريغ البنك المركزي من ارصدته المالية ومسكوكاته في شاحنات المقبور قصي صدام حسين عشية زوال حكم لصوص العوجة.
ان ملف فرهدة “بستان قريش” قديم ومستمر الى يومنا هذا، ولم يختلف الامر مع من تلقف مقاليد الغنيمة بعد ما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية، فمظاهر اللصوصية ونسخها المبتكرة ليست غريبة عن ذلك الارث. فرهدة انخرط فيها لصوص وحيتان كل “المكونات” بما فيها الواجهات المستجدة لفلول النظام المباد ممن يمتلكون خبرة ومراس مشهود لهما في فن “حوسمة” ما خف وزنه وغلا ثمنه عند مفترق الطرق. كل تلك المآثر والفتوحات في ملف الفرهدة لم تجد مثل هذا التكاتف والحماسة والتضامن، الذي جمع بين طيف واسع و”متنافر” من المخلوقات والجماعات ينطبق عليها المثل المعروف “سبحان الجمعهم من دون ميعاد”، كما حدث في الفزعة “الوطنية” ضد ما تبقى من شهود على حقبة المقابر الجماعية وما جرى من اهوال وانتهاكات في العام 1991. ان الحملة الممنهجة ضد محتجزي مخيم رفحا السعودي، وان غلفت بالمبررات والادعاءات المالية، الا ان هدفها الاساس هو؛ سمعة وسيرة ما تبقى من شهود على تلك المحطة المأساوية، ولا يحتاج المتابع الحصيف الى كثير من الجهد والذكاء كي يتعرف على نوع المطابخ والمنابر المتخصصة بتقديم مثل هذه الخلطات المحببة لذائقة القشامر..