الجنسانية النسقية في “منازل ح 17 “..
عبد الغفار العطوي
الروائية العراقية رغد السهيل في هذه الرواية (1) ليست أول من ولجت الرواية التاريخية من الروائيات العربيات ، بل سبقتها تجارب اخرى من رائدات الرواية العربية من قرابة قرن “كسنية قراعة” في رواية ( ام الملوك) (2) التي صدرت 1959 . و زينب فواز في ( الملك 1كورش) (3) التي صدرت 1905، في مرحلة ما قبل النسوية في الرواية العربية النسوية التي برزت في بداية الستينيات من القرن العشرين والتي التي يمكننا ان نطلق عليها مرحلة ما قبل النسوية ( النسائية ). حيث اهتمت الكاتبات العربيات بالتاريخ بوصفه مرجعا فكريا تستنهض من خلاله الروح الخامدة للحضارة العربية الغابرة ، لكن هذا الاستنهاض كان على حساب الاشتغال السردي بغياب الاسس الفنية للرواية العربية النسوية التي لم تستكمل شروط انطلاقها ، و ظلت عائلة على الفهم الفني للتاريخ من ناحية التوظيف ، مما يعني هيمنة الكتابة التاريخية على الكتابة الروائية السردية ( من خلال مشاكلة الاخيرة لنمط المقامة و ما تبع ذلك ) مما يعني خسارة السرد جولة امام التاريخ ، ليس باعتبار التاريخ نوعا من السرديات الكبرى، إنما بوصف السرد وسيلة من وسائل الحكي. و يمكن القول ان البدايات في الكتابة الروائية في غياب التقنيات الفنية في العمل الروائي هو الذي جعل الروائية آنذاك ان تلجأ الى التاريخ و تندمج في بنيته ، بيد ان السبعينيات من القرن العشرين أظهر مرحلة ما بعد الحداثة في الغرب و برزت ما بعد النسوية في التسعينيات من القرن ذاته دفع للواجهة بروايات ما بعد الحداثة في خصائص محددة في سمتها الاساسية رفض الوسائط البنيوية التقليدية ( 4) و برز معها كتابات ما وراء القص التي صبغت تلك الرواية. وعرفتها ليندا هتشيون بأنه رواية من الرواية اي الرواية التي تتضمن تعليقا على سردها و هويتها ( 5) اما واو فقد عرفت ما وراء القص بأنه كتابة رواية تلفت الانتباه بالنظام ووعي الى كونها صناعة بشرية و ذلك لتثير اسئلة عن العلاقة بين الرواية و الحقيقة (6) . إضافة الى بروز ما وراء القص التاريخي إذ يتميز ما نطلق عليه أدب ما بعد الحداثة بالانعكاسية المكثفة و التناصية التهكمية (7) . و تطرح رواية ما وراء القص تعليقات على بنائها الذاتي او على عمليات كتابتها بمساعدة السارد المتطفل إذ يشير توظيف السارد المتطفل الى الوعي الانعكاسي الذاتي للقص. من خلال عرض التعليقات ( 8) يبقى ان نعرف ما وراء القص التاريخي في أهميته في تفكيك العلاقات التي انتجتها رغد السهيل في هذه الرواية عن طريق استخدام مفهوم التناصية. ان ما وراء القص التاريخي هو احد انواع لما بعد حداثية التي ترفض إسقاط المعقدات و المعايير الحالية على الماضي و تؤكد على خصوصية و فردية الحدث الماضي (9).
قبل ان نقوم بتفكيك رواية ( منازل ح 17) نستخدم منهجين التفكيكي ( فيما يتعلق بكسر نظام الثنائيات و إحداث فوضى في المعاني التي تنتج من الانتقال من التمركز حول اللغة الى التمركز حول الذات في فلسفة ديريدا التي تعني المفارقة بين اللغة و الذات ؛10) في إحالة العلاقة الثنائية بين الانوثة و الذكورة الى ان تكون رواية رغد السهيل متناصة مع الرواية التاريخية التي تغلب عليها المركزية الذكورية، فتعمد الروائية الى إنشاء رواية الرواية لكن مؤنثة بدء بالراويات (النمط الي يحكي علم الرجال في الروايات العربية الإسلامية ) و البطلة المؤنثة ( قمر الزمان ) التي تقابل ( قرة العين ) في الرواية التاريخية التي تتسم بالذكورية ، و لو قارنا بينها و بين الرواية التي نقلها الدكتور علي الوردي في كتابه ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) و المنهج التحليل النفسي( من فرويد الى لاكان ) الذي يوضح البنية النفسية للسارد المتطفل الذي اكثرت منه الكاتبة. النساء زعفران السيدة الكبرى ام فاضل رضية ، زوجة مفتي بغداد ابي الثناء الالوسي ، زوجة مدير الشرطة في طهران لتصل السخرية و التهكمية في تصادم التاريخ مع السرد بإنطاق شجرة التوت (11) ، و تطرح الكاتبة نمطا من الجنسانية النسقية التي تشكل ان فكرة التصادم بين التاريخ و السرد هو يعني التصادم بين الحقيقة التي هي بيد الرجل و التخيل و هو في قبضة المرأة ، فترسم الإطار العام لروايتها وفق المذهب إنساني لرواية ما بعد الحداثة في كسر نظام الثنائيات.
في اتفاق عتبات الرواية في ان كل ما في الوجود لا يخرج عن إطار الرواية بما فيها التاريخ ، و ان التحولات الجارية فيه تشبه التحولات التي يمر بها القمر في جوف السماء ، و إن تثبيت التواريخ في الحواشي تعني من جانب الحقيقة التاريخية شيء يخص الذكر ، لكن التخيل الذي تصنع حكاية ( قمر الزمان ) شيء ثان ، من هنا فوجه المقارنة بين شخصية قمر الزمان التي كافحت من اجل تثبيت الشريعة الجديدة الكاملة التي تنسخ الشرائع الاخرى و ربطها بالمخلص ( في دائرة الاحسائية ، احمد الاحسائي و كاظم الرشتي ) ليس بالضرورة هي ذاتها حركة ( قرة العين ) التاريخية ، و ان التقيتا في مفهوم الخلاص و لواحقه البابية ، فهو في الاصل سخرية و تهكم على التاريخ بصيغته المللية و اغداق الشتائم البلاغية على بيئة تحتكر تطلعات المرأة ، لهذا ظلت الكاتبة محتفظة بوعي القارئ في نوافذ ما وراء قصية بأن الرواية عبيطة و ان تناثر السارد المتطفل بأقنعة النساء و ان هناك علما للنساء في نقل الروايات ، و ظهور مضحك ينم على حذاقة الكاتبة في ان تجعل كاريزما قمر الزمان تغلب صناديد الرجال، بينما كان قلبها يتقطع على ولديها و اتباعها ، السؤال هنا هل نجحت رغد السهيل بهذا الحشد من الساردين المتطفلين، ان ينقلوا لنا التمايز بين الرواية التاريخية و الرواية السردية ؟ حينما ننظر الى ان الكاتبة قد اثقلت المتن المتناص بالحواشي و الهوامش التي تتحدث عن قرة العين او الطاهرة التي ولدت في قزوين في فارس في فترة حكم القاجاريين المضطربة التي ملأتها الحروب في عائلة دينية تلتزم بالمذهب الشيعي الاثني عشري الاصولي. بينما كانت الازمة الخانقة تدفع بالناس الى التماس الخلاص الغيبي. كانت الكاتبة قد تركت لقمر الزمان فرصة القيام بدور قرة العين ليس في التاريخ الذي بات مجرد روايات غامضة يتناقلها الرجال بمرويات مصطبغة بالطابع البطريركي ( الابوي ) و الرؤية الذكورية التي قست على قرة العين التي كانت هي اجرأ و اقسى من قمر الزمان التي مالت الى الرفاهية الإنسانية ،، و بذلك حققت الكاتبة فاعلية الجنسانية النسقية التي خلقت من قمر الزمان السردية شخصية قرة العين التاريخية التي رفضت كل الشرائع الدينية و نسختها و هي تطوف في المنطقة التي سيظهر فيها المخلص او الباب من قزوين الى كربلاء الى بغداد، فإن هزت قرة العين العالم الشيعي و دعت الى وحدة الاديان فإن الروائية قد خلقت قمر الزمان الإنسانة التي واجهت الرجل بدين انثوي ، فإن كانت نهاية قرة العين في التاريخ مأساوية ، فإن نهاية قمر الزمان تأملية.
إحالات:
منازل ح 17 رواية رغد السهيل المؤسسة العربية للدراسات و النشر بيروت الطبعة الاولى 2019
ام الملوك رواية سنية قراعة الهيئة المصرية العامة للكتاب 2015
الملك كورش زينب فواز الهيئة المصرية العامة للكتاب 2012
جماليات ما وراء القص دراسات في رواية ما بعد الحداثة مجموعة مؤلفين ترجمة اماني ابو رحمة دار نينوى 2010 ص 29
المصدر نفسه ص 13
المصدر نفسه ص 14
المصدر نفسه ص 93
المصدر نفسه ص 16
المصدر نفسه ص 8
كتابات خارج النسق الدكتور عمر مهيبل الطبعة الاولى دار ابن النديم للنشر و التوزيع الجزائر ص 163
المصدر نفسه ص 183