لأسباب وعلل تاريخية وموضوعية تناولنا جوانبا منها في مقالات ومناسبات عديدة، اكتسبت ذهنية “لا تقربوا الصلاة..” قدرات وانتشار لا مثيل له على كل تضاريس المجتمع العراقي، من شتى الرطانات والمستويات والهلوسات والاعمار والازياء. ولن نجافي الموضوعية والانصاف ان وجدناها قريبة جدا في مواهبها مما كشف عنه فايروس كورونا المستجد؛ حيث نجد هذه “الذهنية” عابرة لكل العقائد والايديولوجيات وأضابير التمايز الاجتماعي والسياسي وما يتضمنه من عناوين ولافتات تقليدية منها ام حداثوية، اضافة الى ان خطورتها الاساس تكمن في ان الكثير من الاشخاص المبتلون بها، لا يعدون انفسهم من ضحاياها، لذلك نجدهم يواصلون ضخ ونشر ما يتوهمونه “حقائق” لا يتجرا الباطل على التقرب من ضفافها. هذا ما يمكن التعرف عليه بيسر ووضوح في مواقع التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا”، عندما اتاحت وسخرت (لشروط محلية محظة) كل امكاناتها لنقل رذاذهم المتطاير، الى امكنة وحاضنات لم تكن تخطر على بال أكثرهم غرورا وتبجحاً. غير القليل من كتابات وتعليقات هذه الشريحة؛ تعمل بوعي او من دونه على افساد الرأي والذائقة والقدرة على الفهم والتمحيص (عكس ما تتستر به من ادعاءات)، عبر ترويجها احيانا لأخطر انواع التهم والاكاذيب، لا سيما وهي تنطلق مشحونة بالكثير من العواطف والرغبات والنوايا الطيبة، وكما قيل قديماً “الطريق الى جهنم معبد بالنوايا الطيبة”.
في مجتمع تعرض لمثل هذا الكم الهائل من الكوارث والاهوال والهزائم، وبنحو خاص استهداف عقوله الحرة والشجاعة والنيرة وكل اشكال التعددية والحريات، من الطبيعي ان تستبيحه مثل هذه الأوبئة والجماعات، ليتحول تدريجيا الى مركز استقطاب لسلالاتها المستجده. البعض يحاول وخلف وابل مكثف من قذائف الحقوق والكرامة والعدالة والحريات، أو الفضيلة والتقوى وثوابت الامة ورسائلها الخالدة و… التستر على ورطته العضال مع ذهنية “لا تقربوا الصلاة..” لكن سلوكهم وردود افعالهم سرعان ما تفضح هوياتهم وهتافاتهم وفزعاتهم المصنعة في ورش القطيع والقوافل التي تتحسس خناجرها مع كل اشارة توحي بوجود عقول حرة وتطلعات عادلة ومشروعة. بامكانكم وعبر تصفح سريع لعينة عشوائية مما تطفح به وسائل الاعلام التقليدية منها أو الحديثة، التعرف على حجم استسهال غير القليل منهم، في التعرض والنيل من شخصيات مرموقة لم يعرفوا عنها سوى ما وضعناه عنواناً لمقالنا هذا، وهم في ذلك لا يختلفوا كثيرا عن ذلك المخلوق الذي طعن الراحل الكبير نجيب محفوظ، لا لشيء سوى وسوسة شيخه..؟!
خطورة هذا النوع من المخلوقات؛ انها تبيح لنفسها التعاطي والتقاضي في كل مناحي الحياة وهي “قافلة” تماماً على المكوث في عالم (الاسود أو الابيض) ومدوناتهم العابرة لزجر الزمان والمكان، لا طاقة لديهم ولا رغبة بالتعرف على ابسط بديهيات عالم لا نهاية لضفافه وحقائقة و وصوره ومخلوقاته والوانه واصواته وحركته التي لا تمل ولا تكل. وهم في نهاية المطاف عاجزون تماماً عن استيعاب امكانية تواجد الخير والشر معاً. لذلك لن نظلمهم عندما نقول ان خطرهم اشد من الجهلة، لان الفرصة متاحة للجاهل كي يتعلم ويعوض عما فاته، وعلى العكس من ذلك بالنسبة للمسكون باشباه الحقائق، والمعتاش على الديباجات والعناوين المجتزأة عن سياقها وتفاصيلها وشروطها الزمكانية ووهم كونه قد حاز على لقب “مثقف”، حيث يبقى رهين ذهنيته المعطوبة والمثقلة بالبضائع النافقة؛ والتي تحجب عنه وصية سقراط الخضراء على الدوام “كل ما أعرفه انني لا أعرف شيئاً”..
جمال جصاني