تشكو الحكومة الصينية من الهجمة الدعائية المعادية والتهويل الغربي من مخاطر فايروس كورونا، في ظل فوضى إعلامية طبية،والتداخل بين السياسة والعلم والتجارة والحقائق والأوهام والخداع،،رغم ان العالم يعيش في قلب ثورة المعلومات وعصر الانترنيت،وذلك ما نراه هذه الأيام في إعلان حالة الطواريء الصحية العالمية بسبب ظهور فايروس(كورونا) في الصين وانتشاره السريع الذي يهدد حياة ملايين البشر،حيث تباينت التفسيرات واختلفت التوقعات وتعددت الاتهامات،ولكن لو سألت أي شخص غير مختص عن تعريف(الفايروس) وخصائصه وكيفية الوقاية منه لعجز عن الإجابة، في حين تجد ذلك الشخص نفسه مستعداً أن يتحدث ساعات وينشر صفحات عديدة حول المؤامرات الدولية التي تقف وراء هذا الوباء العالمي،ونتائجه الكارثية المتوقعة وعجز الأنظمة الصحية في كثير من دول العالم عن مواجهة أصغر الكائنات المرعبة المعادية للإنسان!
الفايروس التنفسي الجديد أصبح هو العدو رقم واحد للبشرية فجأة،وقد تكون وراء انتشاره مؤامرة مخابراتية،كما يزعمون،وقد نسي العالم مخاوفه السابقة من مرض الأيدز، وتراجعت في قاموس الإعلام مخاطر جنون البقر،وانفلونزا الخنازير والطيور،ولم تنافس فايروس( كورونا) في نشرات الأخبار، هذه الأيام، سوى متابعة أسراب الجراد التي تجتاح الدول الأفريقية وتلتهم المحاصيل النباتية وتسرق الخبز الشحيح من أفواه الجائعين،وتضعهم في طابور الموت المجاني!
رعب الفايروسات والجراد يكاد يخلع قلوب الملايين من الفقراء، الذين يطالعون وميض الشاشات الذكية في ليالي الشتاء القاسية،وقد نسوا في خضم هذا الضجيج الدعائي،أن حياتهم كانت وما تزال على كف عفاريت السياسة وليس بين أيادي الأطباء، وأن مستقبلهم تهدده مخاطر مستمرة منذ عقود،في مقدمتها الصراع على المصالح وتصادم الإرادات السياسية ومحاولات الهيمنة والنفوذ وترسانات الأسلحة الفتاكة وصفقات السلاح والحروب والفوضى وغياب العدالة بين البشر!
أزمة الفايروس الجديد كشفت غياب الخطط وعدم الاستعداد للكوارث في كثير من الدول التي ينخرها المرض والفساد في آن معاً،وقد عجزت حكوماتها الفاشلة من قبل عن معالجة الفقر والجهل،وأصبحت مجتمعات كاملة بيئة خصبة مهيئة لاستقبال الأوبئة الطارئة،والاستطباب عند الدجالين والمحتاين،وذلك لقلة الكوادر الصحية وشحة الموارد المالية وضعف المؤسسات الصحية، نتيجة اعتماد السياسات العشوائية وعدم احترام التخصصات العلمية وترويج الجهل والدجل والكراهية بدلاً من العلم والمعلومات، وتغييب الشعور بالمسؤولية الإجتماعية والوطنية التي تحصن روح الإنسان قبل جسده في مواجهة الكوارث والأزمات الطارئة!
الفايروسات البشرية هي التي تمتص دماء الفقراء،وتجعلهم يعانون من الجوع والمرض،قبل تلك الفايروسات اللعينة التي لا تدركها الأبصار،أما جراد الفساد الذي ينتشر في البيئة الملوثة بالنفاق فهو الذي يسلب قوت الناس،فتبدو حياتهم صعبة ومستقبلهم مظلماً!
في مجتمع عادل ومتعلم ونظيف من الفايروسات البشرية الفاسدة سوف تصبح الحياة أكثر بهجة وترتفع معنويات الناس وتتوفر لهم سبل الحياة الكريمة، وتتحصن أجسادهم بالمناعة الطبيعية واللقاحات والأدوية لإنقاذ حياتهم،عند الضرورة،ولن يضطر أكثرهم بحاجة للسفر إلى دول بعيدة من أجل الحصول على العلاج الغالي أو الموت كمداً!
د. محمد فلحي