جرجيس كوليزادة *
بعد تقديم أكثر من 700 شهيد واكثر من 22 الف مصاب وجريح، وبعد مضي اربعة شهور على انطلاق انتفاضة وثورة تشرين، انصاع مركز القرار في الرئاسة الجمهورية الى تلبية اولى مطالب التغيير للثائرين في ساحة التحرير ببغداد وساحات التظاهر في المحافظات، وذلك بعد ولادة عسيرة للاسماء التي رشحت من قبل الكتل السياسية ومن قبل المتظاهرين، وانتهت بترشيح السيد محمد توفيق علاوي من قبل رئيس الجمهورية السيد برهم صالح، ولكن موقف الثوار مازال على ابواب الخيار بين الرفض او القبول، ولو ان فترة رئاسة الحكومة المكلفة انتقالية ومحددة بمدة لا تزيد عن سنة لاجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ولكن المؤلم من صميم القلب لدى كل عراقي وطني شريف، ان التضحيات الغالية الجسيمة التي بذلت مازالت بعيدة كل البعد عن ما تحقق، وما تحقق هو مجرد استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الفاسد والمتهم بالقتل العام وتكليف محمد علاوي برئاسة الحكومة، وان كانت تضحيات الشهداء والجرحى والمصابين بهذه الارقام العالية لتحقيق التغيير في الحكومة، فيا ترى تغيير الطبقة الحاكمة الفاسدة المارقة من ساسة الشيعة والسنة والكرد كم يكلف من تضحيات في ارواح العراقيين !؟
لهذا فان معطيات الوضع العراقي والاقليمي والدولي والمخاطر المستمرة لخطط المجابهات العنيفة القاتلة المتواصلة التي تلجأ اليها الكتل السياسية والاجهزة الامنية والميليشيات والمجموعات والعصابات المسلحة ضد الثوار والمتظاهرين والناشطين المدنيين، تحتم عليهم اوضاعا ثورية سلمية جديدة متسمة بالعقلانية والذكاء لامتصاص العنف المقابل والتقليل من اثاره وفي عين الوقت فرض ممارسات ومفاجآت غير متوقعة لانزال الضغط الشديد المؤثر على الطبقة السياسية الحاكمة، وبالتالي العمل على اختصار فترة المجابهة لابصال ثورة الشباب العراقي الثائر في تشرين الى عتبة الانتصار وتحقيق التغيير والاصلاح المطلوبين لانقاذ العراق من الهاوية.
واولى المبادرات التي اقترحتها من خلال مقال سابق في هذا المنبر الحر (الامم المتحدة ومصير الثورات الشعبية) هو تحقيق اتصال مباشر للثوار مع المنظمات الدولية وهيئات الامم المتحدة داخل العراق وخارجه، وذلك للتواصل معهم ومناشدتهم بالتدخل لوقف العنف السافر القاتل المرتكب من قبل الحكومة المارقة بحق الثوار المدنيين السلميين، وتأمين المساعدة الاممية والدولية لتلبية مطالب ثورة تشرين، ولا يخفى ان هذا المقترح اخذ حيزه الى واقع التنفيذ في الفترة الاخيرة من قبل الثوار السلميين في الناصرية من خلال اللقاء مع ممثلية الامم المتحدة في العراق، ولكن المقترح مازال بحاجة الى اتصالات اكثر مع الهيئات الدولية لحقوق الانسان والسفارات الامريكية والاوربية والعربية في العراق، وكذلك فان الموقف يتطلب تحقيق اتصال سريع على مستوى سياسي وانساني مع الجامعة العربية.
وبغية تقوية موقف الثورة والثوار، واختصار المسافة الزمنية الواصلة الى عتبة الانتصار، فان الحكمة تقضي على تنسيقيات المتظاهرين في ساحات الاعتصامات القبول التكتيكي بالمرشح المعلن في المرسوم الجمهوري السيد علاوي، واجراء لقاءات ومفاوضات مباشرة معه وفق قاعدة مشتركة موثوقة لدفع التشاورات السياسية الى تلبية مطالب الثورة وفق ابعادها الوطنية العراقية لحين اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ولاشك ان وقفة الثورة بعد اعلان المرشح للحكومة بحاجة الى اعادة تنشيط (ريفريش) للذاكرة والجهود والاعمال والممارسات الثورية السلمية المدنية، وذلك لتعزيز مشهد الثوار المتظاههرين للتقرب من عتبة الانتصار والوصول الى بر الامان وتحقيق العدالة على الفاسدين المارقين، ولغرض اتمام هذه المهمة نسوق مجموعة اقتراحات ضرورية اضافة الى ما ذكرتها في مقال سابق بعنوان (ورقة مقترحات الى ثورة تشرين العراقية)، وذلك للاستفادة منها في تسريع وتحقيق اهداف ثورة تشرين العراقية، وهي:
الاحتفاظ بالتشكيلات القيادية السلمية المدنية في بغداد والمحافظات، والتهيؤ للتعامل مع وقائع ومستجدات جديدة او مفاجأت قد تحدث على ارض الواقع، وان تتسع رؤيتها السياسية والجماهيرية المسائل الراهنة، ومحملة بافكار موضوعية واستراتيجية للتعامل مع الواقع السياسي الجديد بعد استقالة الحكومة.
وتشكيل قيادة عليا موحدة من القيادات الممثلة لبغداد والمحافظات من اعضاء فاعلين ومجربين لهم القدرة على قيادة التظاهرات واجراء الحوار والتفاوض بسلمية ومدنية عالية مع الرئيس الوزراء المكلف، والاتصال بالهيئات الاممية والمنظمات الدولية داخل وخارج العراق.
واقامة غرفة عمليات بمشاركة اهل الخبراء والمختصين، وذلك من النقابات والجمعيات المهنية والطلابية والعمالية وفق اطار نقابي شبه رسمي، لاتخاذ الاستشارات التي تنسجم مع مصلحة العراقيين، والتنبه للمستجدات التي لا تلائم اهداف الثورة، وتقديمها الى الرئاسات المعنية.
والاسراع بوضع رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية للثورة، واعلانها للرأي العام العراقي، وعلى ان تكون متسمة بقراءات تحليلية واضحة وعقلانية للحاضر بكل مشاكله وازماته القائمة، ومرفقة بحلول واقعية وعملية واستراتيجية لمعالجة المعاناة الحياتية والمعيشية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العراقييون.
وتشكيل مجلس ثوري سلمي مدني لمرحلة ما قبل وما بعد الثورة، وذلك للتواصل الدائم ولعب دور المراقبة الجماهيرية الشعبية على اعمال الحكومة الانتقالية والحكومات المتلاحقة، وللتنسيق واتخاذ الاستشارات الاستراتيجية لخدمة العراقيين.
بالختام نبين ان المقترحات الواردة اعلاه عاجلة ومهمة وتؤمن بعض سبل نجاح ثورة تشرين في احداث التغيير الحقيقي والاصلاح المطلوب بالعراق من كافة الجوانب، خاصة وان البلد قد وقع في مفترق طرق عصيبة، فلابد من توحيد الجهود لاخراجه من النفق المظلم الذي ادخل فيه بتقصد، لهذا لابد من تحقيق الفوز لصناع ثورة تشرين من شهداء وجرحى ومصابين ومتظاهرين ومنتفضين لانقاذ العراق واعادة الكرامة للامة المظلومة بجميع مكوناتها القومية والدينية، وما الفوز الا للامة العراقية ولثورتها الاصيلة.
ومن الله التوفيق