خضير الزيدي
في كل حقبة إنسانية من حقب الحياة ثمة طارئ يعمل على تهديم أركان الماضي ليؤسس ضمن توجهه الجديد قواعد بناء وتطوير مسيرة الحياة الأخرى وغالبا ما يصطدم بمعوقات عالية لكنه في نهاية المطاف ينجح في تحقيق غايته وبث رسالته وبما أن ذلك الطارئ تسيره التوجهات وتعزز وجوده الثروة فانتصاره واقع لا محال ولكن ثمة ما يجابهه من تخلف وعقل راكد يغلب عليه الحنين للماضي. ينطبق هذا التوصيف أعلاه على فاعلية وتأثير خطاب الحداثة وتجديد الفنون الإنسانية مع أن الغرب قد ألغى العودة لجذور العاطفة وتعامل مع أصول العقل، فقد أسس لمشروع قائم على خطاب المواجهة الذي يريد له الاستمرار ومن هنا جاءت الحداثة الغربية سيلا من الموج الجارف لنا فلم نعرف مكنونها واستعجل الغالب منا في الإشارة إليها فمنهم من أكدها كشرط لوجوده واستمراريته ومنهم من عزاها لموجة تجديد ومنهم من روج لها كمتغير أصاب الكنيسة الغربية وآخر من استدعى التراث ودعا لعودته ليجابهها ولكن في الأخير بقيت واقع حال علينا أن نعي مفهومها أولا وكيفية التعاطي معها بالشكل الذي يضمن لنا أن نعزز حياتنا دون المساس بقيمها الأخرى ولكن التساؤل المنطقي الذي يواجهنا ونحن نراقب تشكيلات الفن العربي وتحديد هويته وآليات اشتغاله ..كيف فهم الفنان العربي الحداثة؟ هل استجاب لشروطها؟ كيف تعامل مع الفن بعد أن تلقى بصريا تأثيرات واسعة من الفن الغربي؟ هل استوعب الفنان قيم الحداثة اجتماعيا وسياسيا مما عزز عمله …أسئلة مثل هذه لا بد من طرحها ليكون درس الحداثة واضحا لدينا.
علينا الاعتراف في البدء بان الفن اجتهاد هذا ما تذهب إليه اغلب النظريات ولكن إي اجتهاد مقصود يمكن بيانه لمعرفة تحولاته ونظامه. انه الاجتهاد العقلي المتحول ( حسب ما يريد ادونيس ) من الثابت والمتحول العمل والممارسة المنفتحة على الجديد دون كسر رتابة التاريخ والتراث وبلا قطيعة ولكن مثل هذه الدعوة لا يمكن لها الاستجابة حينما يتعامل الفنان مع آليات قديمة مثل مسند اللوحة ونوع القماشة عليه أن يتحرر من مجالات سالفة لينطلق باتجاه الحاجة الضرورية ليتماشى مع الزمن هكذا هي المعرفة وإلا لماذا تلجمنا الحداثة بانعكاسها المتواصل لتقدم لنا تفردها في واجهات الاجتماع والعمارة والهندسة أليس مثاليتها تحقق الانتصار على الجهل والتواصل مع المتغير وفقا لهذه الطروحات علينا آن نعيد مفهوم الحداثة ونحن نتعامل مع الرسم وأدواته القديمة ونعيد قراءة اللوحة وطبيعة موادها وخاماتها وهذا يفرض علينا مراجعة دقيقة لحقب زمنية فنية وأسماء شقت طريقها منذ الستينيات لليوم وخاصة ما سمي بالموجة الصاخبة في فترة اشتعال الايدولوجيا والتناحر على الأحزاب وتوجه الغالب من الفنانين إلى المدرسة الاشتراكية وقسم منهم اسند ظهره للموروث والتراث العربي فعمل على إحياء الخط والحرف إذن نحن نجابه صرامة في حقيقة الأمر القديم من الفن ومشروع الحداثة في الفن أمران مختلفان كيف نجمع بينهما هذا هو التساؤل ؟