يسألني الشرطي في بوابة الجامعة: معك سلاح؟!
فأجيبه: نعم..عندي موبايل!
يضحك ويقول:تفضل.
فأسأله بسخرية: ألا تخافون من هذا السلاح العلني؟!
يقول: لا طبعا..حسب التعليمات السلاح الناري فقط ممنوع!
وقريب من ساحات التظاهرات هناك نقاط تفتيش أمنية، تمنع الشباب من اقتناء المسدسات والبنادق والسكاكين،وتسمح بمرور كل أنواع الهواتف الذكية!
هناك سوء فهم أمني، كما يبدو، بين القوات الأمنية والمتظاهرين، وهو في الحقيقة، يعبر عن الانفصال الذهني والواقعي بين الطبقة السياسية والناس،فالشعب لا يحتاج الرصاص في المطالبة بحقوقه المشروعة، ولكنه يستعمل أسلحة المعلومات والإقناع، التي لا تجيد الحكومة استعمالها بذكاء وتأثير مثل الشباب الغاضبين!
الهاتف الذكي أصبح سلاحاً فعّالاً، لم يدرك أغلب السياسيين أبعاده ومعطياته وانعكاساته، ولم يفهموا لغة الوسائط المتعددة(Multimedia) والتفاعلية التي وفرتها تقنيات الإعلام الجديد، فلجأوا لوسائلهم القديمة في محاولات المنع والحجب والتضليل لمواجهة المد الشعبي المتدفق!
لم تعد لغة الوعد والوعيد والخداع والتسويف صالحة في مخاطبة الناس من قبل الحكام،وقد سقطت لغة القوة والترهيب، منذ عقود، عندما أصبحت الموجات والشاشات وصناديق الاقتراع وسيلة الوصول إلى السلطة، وقد ظلت المنطقة العربية، ومن ضمنها العراق، مع الأسف، تعاني حتى وقت قريب،من عجز في تطوير الخطاب الرسمي الجامد،وركاكة اللغة السلطوية التي تفتقد المرونة والتفاعل مع عقلية الأجيال الشابة، التي تعايشت مع وسائل الكترونية(سمعية وبصرية) مثل الألعاب الرقمية (كاندي كراش والبوبجي) والحاسوب المحمول(لاب توب) والهاتف النقال(موبايل)..واستخدمت برامج التواصل عبر هذه الأدوات الجديدة بذكاء وإدمان وإفراط مثل تطبيقات المحادثة والدردشة(الماسنجر) و(السناب تشات) والمدونات والفيس بوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب وغيرها الكثير، حيث تدفقت المعلومات، وتمت صياغتها وتداولها واستخدامها، بعيداً عن نظر الرقيب، وقد اضمحلت صورة السياسي، وتآكلت تدريجياً، سلطة الحاكم الذي كان يحتكر الثروة والسلاح والمعلومات ويوظفها، وفقاً لمصالحة ورغباته وأهدافه.
يزيد من فاعلية التقنية الإعلامية الجديدة، وجود أخطاء رسمية فادحة وفضائح شخصية وممارسات حكومية فاشلة وتبذير في الثروات، وتزوير في الانتخابات، وقصص فساد مخزية، في ظل شفافية النشر الإلكتروني الذي يكشف المستور،وينبش ما في الصدور،ويداعب رغبات الجمهور!
الصورة هيمنت على المشهد الإعلامي، بدل الكلمة، التي كانت وسيلة تسطير العلم والفكر، لعدة آلاف من السنين، والخطير هنا أن الصورة قابلة للتصنيع والتقطيع والتشويه والتعديل، باستخدام برامج الحاسوب (الفوتوشوب)،ومن ثم لم تعد الصورة تعني المصداقية الكاملة،فقد يمر من خلال الصور المصنعة الكثير من الرسائل غير الدقيقة، والأخطر من ذلك أن هناك جهات عديدة وظفت الصورة في التحريض والشحن العاطفي والنفسي، لتحريك مشاعر الجماهير!
لا بد أن تكون هناك لعبة أكبر وأوسع في ظل ما أصبح يعرف بالقوة الناعمة(Soft Power)،فقد تحولت حلبة الصراع السياسي والعسكري إلى ميدان العقول، وتلك لعبة ليست بريئة تماما أو (عفوية) كما يبدو من ظاهر الأحداث،فهناك غرف مظلمة للتوجيه والتحكم والسيطرة والتمويل،وهناك أطراف قد تبدو بعيدة أو صامتة لكن الوقائع تسجل حضورها الفاعل في صنع الأحداث،ولعل خطورة هذه الحالة أن اغلب الشباب الهائجين المندفعين تحركهم العواطف الملتهبة ومن النادر أن يستطيع أحد اقناعهم أن هناك من يركب موجات غضبهم ويعمل على استغلال عفوية مشاعرهم الجياشة!
د. محمد فلحي