المصارف الأهلية.. بين هيمنة القطاع الحكومي وعدم ثقة المواطن بها
بغداد ـ الصباح الجديد:
تعد الازمة الاقتصادية وعدم توزيع الثروة بعدالة والتفاوت الطبقي واستشراء الفساد، اهم الجوانب التي تركت اثارا سلبية على الواقع في العراق ودفعت بالشباب الى الخروج في تظاهرات غاضبة تحولت الى صدام مؤسف بين المتظاهرين والقوات الامنية ما ادى الى سقوط المئات ما بين قتيل وجريح.
وفي ظلّ الاوضاع الاقتصادية المتردية وتأثيرها على الواقع اليومي للمواطنين، تبرز قضية غائبة عن المشهد، غفل عنها الاعلام بوصفه السلطة الرابعة والمؤسسات الرقابية السياسية والادارية والقضائية او تغافلوا عنها عن عمد او سوء ادارة.
وفي ظلّ هذا يبرز عامل آخر يتعلق بحجم الاموال السائلة لدى المواطنين واحجامهم عن التعامل مع المصارف الأهلية، بايداع تلك الاموال لغرض استثمارها بسبب عدم ثقة المواطن بالتعامل مع المصارف الأهلية.
وتشير الاحصائيات الاولية الى ان عدد المصارف الاهلية المجازة في العراق اكثر من 70 مصرفا، منها 20 فرعا لمصارف اجنبية، لكن اغلب تلك المصارف ما هي الا واجهات الغرض منها الاشتراك بنافذة المزاد العلني للعملة.
رئيس رابطة المصارف الاهلية العراقية ورئيس مجلس ادارة مصرف آشورالتجاري، وديع حنظل، قال ان “سياسة الشمول المالي” التي اطلقها صندوق النقد العربي، هي مشابهة لثقافة التوفير التي كانت سائدة لدى العائلة العراقية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، منوها الى أن هذه الثقافة اصبحت مفقودة منذ ثمانينيات القرن نفسه، واصبح سائدا ان المواطن يفضل الاحتفاظ بامواله في المنزل، خلاف لما يبتغيه” الشمول المالي”.
واضاف الحنظل، أن تعثر عدد من المصارف ادى الى انسحاب النظرة السلبية على بقية المصارف الاخرى، الامر الذي ولد عدم ثقة في التعامل معها، مؤكدا ان هذه النظرة خاطئة، لأن الدارج في اغلب دول العالم ان مصرفا ما يمكن ان يتعثر وسرعان ما يستعيد مكاناته، فتعثر مصرف لا يعني بالضرورة ان بقية المصارف الاخرى غير جيدة ولا تحضى بالثقة.
وقال الحنظل هناك جانب آخر له تأثير مباشر على عمل قطاع المصارف الاهلية، وهو ما يتعلق بهيمنة المصارف الحكومية بشكل كامل على القطاع المصرفي وعدم فسح المجال للمنافسة معها.
واكد ان هذه العوامل مجتمعه تولد نوعاً من عدم الثقة لدى المواطن تجاه المصارف الخاصة.
وتشير البيانات المتداولة الى ان بالرغم من وجود عدد كبير من المصارف الأهلية العاملة في العراق، الا انه لا يزال حجمها ونشاطها محدودين جداً مقارنة مع المصارف الحكومية التي تدير نحو 91% من مجمل موجودات القطاع المصرفي العراقي، في حين تدير المصارف الأهلية العراقية نحو 8% منها، وتدير فروع المصارف الأجنبية والعربية نحو 1% فقط.
وبشأن الحلول لتجاوز هذه الحال والتشجيع على استثمار الاموال، اشار “حنظل” الى أن الامر يتطلب قبل شيء تغيير العقلية التي تدير الحكومة العراقية ونظرتها الى القطاع الخاص، فاذا وكانت الحكومة لا تؤمن بدور القطاع الخاص في بناء البلد وعدم اعطائه الفرصة كاملة لهذا الغرض فكيف يمكن اقناع المواطن بذلك. وشدد على ان دول العالم المتقدمة لم يبنها غير القطاع الخاص واستثمار رؤوس الاموال الخاصة التي عملت على بناء اقتصاد قوي ومؤثر لتكون تلك الدول على ما هي عليه اليوم. هذا الامر يحيلنا الى الطريقة التي تدار فيها السياسة الاقتصادية في العراق، والتي تفتقد الى نظرة واضحة، ونظام يمكن ان يؤهل الاقتصاد العراقي المستند بشكل رئيس على واردات النفط، مع اهمال الجوانب الاخرى برغم غنى البلد بها.
وفي هذا الجانب تبرز امامنا ظاهرة تغلغل الاحزاب السياسية نحو المفاصل الاقتصادية ومحاولة الهيمنة عليها بما يجعلها مرتبطة بشكل او اخر بالرؤية التي تريد لها الاحزاب ان تكون حتى وأن كانت على العكس من مصلحة البلد.
ونوه رئيس رابطة المصارف الأهلية، الى ان المسؤولين يبدأون كرجال اعمال ولكن ما ان يصلوا الى المنصب حتى يتحدثون وكأنهم اولياء امور او اوصياء ويتعاملون مع القطاع الخاص باسلوب فوقي.
وشدد حنظل على ان تدخل الاحزاب السياسية في القطاع الاقتصادي وعمل المصارف، يعد سببا رئيسيا فيما وصل اليه البلد من فساد وخراب.
ان الدعوة الى اصلاح الاقتصاد العراقي يتطلب اولا بناء نظام يرتكز بشكل اساس على تقليل هيمنة مؤسسات الدولة على المفاصل الاقتصادية المختلفة وفسح المجال امام القطاع الخاص ورؤوس الاموال الخاصة واستغلالها بالشكل السليم من اجل اعادة بناء البلد بشكل صحيح بعيدا عن هيمنة المصالح الفئوية على حساب المصلحة العامة.