علي لفتة سعيد
تتخذ مجموعة الشاعر عمران العبيدي التي تحمل عنوان (وأنت ِ تُلَمعين أصابع الوقت) من خاصية التراسل واللعبة النصية محمولا لإنتاج النصوص الشعرية التي اختلفت طرق صياغتها الشكلية وتشابهت محمولاتها الدلالية، وقد يمكن فهم هذه الخاصية بدءاً من العنوان الذي يعد هو البوابة الاولى للدخول إلى مدينة النصوص والكشف عن طرقها وطرائقها الدلالية حيث يشير العنوان إلى التراسل الأول المباشر من خلال ( وأنت ِ ) حيث وجود حرف العطف ( و ) لما سبق وما سيأتي من محمولات أخرى تتوكأ عليها النصوص وما يمكن ان يفضي إليه العنوان بأكمله من تأويل اولي ( تُلَمعين أصابع الوقت ) لما يشير من مفهوم الحب والدلالة الانتمائية للجمال مثلما يمكن اصطياد أكثر من مفهوم لهكذا عنوان، الذي يبوح به القول ويراد منه ان يكون حكمة متقدمة لما سيأتي من نصوص، وهذه الحكمة تحمل مستواها القصدي مثلما تحمل مستواها الفلسفي في فهم الحياة ( الحياة ُ ليستْ رمية ً طائشةً بيد مقامر أغوته رشاقة الرمية في متسع الحظ )، وهو ما يمكن استخلاص عبرة المستوى التحليلي لمثل هكذا مدخل إلى المجموعة.
ان الحياة هي صناعة الجمال وفهم كيف تكون الرمية صادقة ومقدرة، وهو الامر الذي يكمله الاهداء الذي تربع على مقولتين متجهتين الى ذات الشخصية المقصودة (أنتِ) كأنثى مخفية في تلابيب الروح التي انتجت هذه النصوص وهو يخاطبها (يا أنت ِ …… تعالي يا حلما نعشق أنينه) ثم يصفها بانها (تاريخ يرتب نسق أحلامي)، ان خاصية التراسل بدأت منذ الوهلة الاولى عبر العنوان والتقديم كنص شعري يحمل حكمته، لتبدأ بعدها لعبة تشكيل النص او رسم هيكليته وكيفية بنائه التي اعتمد فيها على طريقتين في هذه اللعبة النصية، الاولى بناء النص الواحد الذي يبدأ من العنوان وما يليه، والثانية: اعتماد المقطعية المرقمة بما يشبه توزيع صوري مرة او سيناريوي مرة ثانية، بهدف الوصول الى مبتغى العنوان، وتأويل النص والحصول على مفهوم القصدية ومعناها، والطريقتان تحملان غائية التحليل لمفهوم التراسل الذي يبتغيه الشاعر العبيدي في نصوصه.
ان بنية الكتابة في المجموعة تأخذ ايضا تنوع في البناء للنص الواحد فهو يعتمد تارة على الجملة الأسمية التي تقشر مفهوم المفهوم للنص الواحد (الزاهدون/ بأيامهم…/ بلحظاتهم …/ بجوازاتهم التي لا تجيد التنقل / يرسمون ابتسامتهم دون تردد ص 7 ) من نص يفيض بالقلق الذي تم تقسيمه مقطعين يدوران حول مدار ما يمكن الكشف عنه عن كمية القلق التي تفيض بصداع الأسئلة، مثلما يعتمد على الجملة الفعلية في قيادة فكرة النص، وخاصة الفعل الماضي الذي يحيل إلى ما سبق في المناقشة، وفق محمول الزمن الحالي لكتابة النص ذاته ( ترهلت الدقائق بيننا …/ لبعض جرحٍ مضى/ ربما في قادم الضرورات ايضا / أنا المعلق من اول الصبر/ لآخر الانتظار ص 13) من نص ( تعالي نتوضأ بالوقت (، وما بين هاتين الطريقتين يمكن ملاحظة تتابع ما ابتدأ به النص بالجملة الاسمية التي تبقى ملاصقة في اغلب النصوص في انتقالات النص، عبر الفكرة بمعنى ان فكرة النص تتنقل في الجملة الاسمية كمحمول دلالي ومحمول تراسلي ايضا ما بين ( هي / أنا ) و ( هي / هو ) مثلما يتم التنقل في الجملة الفعلية داخل النص الواحد، لان عملية الرسم تعتمد على الاستهلال الذي يعطي منطوق النص في شكله الخارجي من أجل رسم ملامح الداخل الذي يبعثه الشاعر الى الآخر، ولهذا يمكن ملاحظة إن هدفية التشكيل للنص ان كان موزعا على اقسام مرقمة او جاء بنص متصل واحد انه يأخذ شكل الاستهلال ومن ثم التوزيع على مناطق جسد النص الذي تأخذه اللعبة في صيد التراسل سواء ما كان منه مباشرا من الشاعر الى المخاطب او من الغاية الى المقصود في إنشاء النص.. لكن هذه الطريقة في رسم التراسل لا تكون دائما في اتجاه واحد ان الشاعر يسعى الى ممازجة الطريقتين في بعض النصوص، بمعنى ان يتم الافتتاح بجملة اسمية وينتقل الى الجملة الفعلية والعكس صحيح وخاصة في النصوص التي رقم مقاطها وكل هذا يحمل هدفية التواصل والتراسل والاستلام (خرجت توا/ من المعاني المترددة/ أنا لا اشبه نفسي/ إلا حين / استعير التلذذ بصوتك صباحا/ أو نظرة/ من أقانيم الشغف. ص 31) من نص (أتلذذ بصوتك).
ان بنية الكتابة في هذه المجموعة تعمل على تنوع المصادر المرسلة فهي تحاول رسم المعاناة من اجل اطلاق حزمة المعاندة معها او رسم الحب والتعالق من اجل اطلاق حزمة من الغايات البريئة، انها مجموعة تريد البوح بكل ما يمكن ان يختلج في صدر الشاعر من خلال البوح المباشر للآخر الذي يتلقى او الذي يستلم / تستلم / الإهداء .. (أجرب الاختباء/ هناك شيء يرتجف/ اتبدد مثل دهشة هاربة/ الليل ناطور متأخر / لم يحفظ غروب وجهي ص58) من نص (محاولة تلد أخرى).