شكلت تظاهرات الخامس والعشرين من تشرين نقطة انطلاق جديدة في التعبير عن ارادة الشعب العراقي في التغيير وهي بالتأكيد نقطة مفصلية لان هذه التظاهرات والاحتجاجات ارتقت في اشكالها ومستواها إلى مفهوم الانتفاضة الشعبية وكان للفقراء والمحرومين والمهمشين النصيب الاوفر في المشاركة فيها والتفاعل مع احداثها واذا كان الشباب العراقي مثل حركة الاحتجاجات وتصدر الصفوف في المسيرات السلمية فان الصغار والفتيان لفتوا انتباه العالم اجمع بحضورهم اليومي في الساحات وكانت مشاهد من يقودون المركبات الصغيرة(التكتك) مؤثرة وتحمل رمزية وهوية الحراك الشعبي العراقي وكشفت هذه المشاهد البؤس والحرمان الذي تعيشه فئات واسعة من الشعب العراقي في بلد يتنافس إنتاجه النفطي مع دول المنطقة على الصدارة ويتبجح رموز الطبقة السياسية فيه بالأرقام المليونية لموازناته الاقتصادية وكانت صرخات العاطلين عن العمل من الخريجين وغيرهم فضيحة مدوية على مستويات الفساد الذي وصلت إليه في بلاد النفط هذه وفي الوقت نفسه فان مشاهد الايثار والتعاضد والشجاعة التي شاهدها العالم اجمع في ساحة التحرير بعثت برسائل أخرى تدلل على شهامة المحتجين ونبلهم وعزتهم اما الشهداء الذين تضرجت دماؤهم بتراب العراق فكانوا عنوانا من عناوين الكرامة وكانوا خير قربان من قرابين التضحيات في هذه الانتفاضة الشعبية ومهما كانت التصريحات عن سقف المطالب لهذه التظاهرات والاحتجاجات فان خير من يمثل السقف الحقيقي للمطالب هو الايمان المعتمر في قلوب الشباب والفقراء الذين كانوا اشجع واكرم منا جميعا وسيكتب التاريخ عنهم باحرف مضيئة حين تتم رواية أحداث العراق في هذه الحقبة التاريخية المهمة اما الحديث عن الاخطاء والاخفاقات والتجاوزات التي حصلت من قبل بعض جمهور المنتفضين فهو بالتأكيد حديث مقبول ولكن لايمكن مقارنته باخطاء وفشل وانتهاكات السلطة التي تمادت في بطشها في الأيام الأولى وارتكبت جريمة القتل بالرصاص الحي لعشرات الشباب المحتجين ولم يشفع تشكيل اللجنة التحقيقية من قبل هرم السلطة للوصول الى الجناة الحقيقيين لم يشفع له براءته من هذه الجريمة ..أن اهم ماتحقق اليوم هو أن شباب العراق اثبتوا قدرتهم على رسم معالم التغيير في العراق وانهم مهدوا الطريق لفئات المعارضة السياسية التي دأبت على القول بأن النظام السياسي المحاصصي لايمنحها الفرصة للتدخل واصلاح الاوضاع في العراق كما ان هؤلاء الشباب أسقطوا وبشكل صريح خرافة الهيمنة الحزبية المقيتة في ادارة مؤسسات الدولة وقطعوا الطريق على المروجين والمطبلين لهذا النهج المريض الذي استمر قرابة خمسة عشر عاما لذا فان الحد الادنى للوفاء سيكون هو الإلتزام بتنفيذ سقف المطالب التي أعلنها المحتجون في ساحات التظاهر في بغداد والمدن العراقية المختلفة وتنفيذ جميع الاصلاحات التي أعلن عنها داخل قبة البرلمان من دون التفاف تشريعي أو تنفيذي والاهم من ذلك هو السقف الزمني القصير للتنفيذ من اجل ان لا تسفك دماء جديدة
د. علي شمخي