كنت أتساءل دائماً هل بوسع النقاد لدينا التعامل مع النصوص الأدبية كما هي دون النظر إلى أصحابها، أو أن الأسماء والمسميات مقدمة على ما سواها. وهل بمقدورهم المساواة بين الأجانب وأهل البلاد، دون الاحتكام إلى عقدة الخواجة المعروفة؟
وإذا كان مثل هذا التمييز قائماً فهل تصلح المعايير التي يلجأ إليها هؤلاء لبناء منظومة فكرية سليمة، أو أنها ماضية في إفساد الحياة الثقافية في البلاد؟
لقد ذكرني الشعور بالمرارة الذي يعاني منه الكثيرون بسبب ما يقابلون به من إعراض، بحادثة جرت عام 1963 في مصر. فقد أرسل صحفي لامع في دار الهلال هو أحمد رجب، بمسودة مسرحية بعنوان «الهواء الأسود» إلى أربعة من كبار النقاد آنذاك وهم الدكتوران عبد القادر القط وعلي الراعي والأستاذ رجاء النقاش، وشخص آخر لم يعد يحضرني اسمه. وقد زعم أنه ترجمها عن الكاتب السويسري دورينمات. وطلب منهم تقييمها لتنشر كملحق في مجلة الكواكب الأسبوعية.
وقد استفاض هؤلاء النقاد في تحليل وإطراء هذا العمل الفني، القائم على فكرة الانتظار، التي سبق لصموئيل بيكيت الكاتب الأيرلندي الشهير أن استخدمها في مسرحيته «بانتظار غودو» قبل ذلك باثني عشر عاماً.
وتتحدث هذه المسرحية عن زوج وزوجته محتجزين في غرفة مغلقة ذات هواء ملوث. لكنهما يعولان على مجئ شخص ثالث ينتشلهما من موت محقق. إلا أن هذا الشخص يتأخر كثيراً ثم يموت في حادث على الطريق. ولا يجد الزوجان بداً من الاستسلام لقدرهما المحتوم. وفي أثناء ذلك يقضيان الوقت في ثرثرة فارغة مملة.
وكانت المفاجأة المذهلة أن أحمد رجب بعد أن نشر ما بعثه إليه النقاد الأربعة أعلن أن دورينمات لا علاقة له بالمسرحية. وأنه هو – أحمد رجب – كتبها في ساعة واحدة. وليس فيها موضوع أو معنى أو هدف. بل إنها لا تعدو أن تكون كلاماً فارغاً قصد به النكتة لا غير!
ومعنى ذلك أن النقاد يحتفون بالنص مادام كاتبه رجلاً مشهوراً، وينحازون إلى الأجانب حتى لو صدر عنهم ما يشبه الهراء!
وقد تلاقفت الألسن هذه القصة – الفضيحة – وامتلأت الصحف بالتعليقات الساخرة. المبتهجة بالواقعة، الحانقة على أصحابها، الشامتة بهم.
وقد اشتركت أسماء كبيرة في النكاية بالنقاد منهم عباس العقاد وصلاح حافظ. وأغلب الظن أن السبب يعود إلى خلافات قديمة وجدت فرصتها مجدداً في الظهور.
وقد انصب دفاع الأربعة الذين شعروا أن كرامتهم قد امتهنت بهذه الطريقة، على أن المسرحية تقليد متقن لمسرحية بيكيت، ولا يمكن أن تكون من تأليف أحمد رجب، أو أن تكتب في ظرف ساعة. ولا بد أن هناك أشخاصاً آخرين أعانوه في كتابة هذا النص.
هل يوجد دليل أوضح من هذا على أن النقاد العرب يتعاملون مع الأسماء المعروفة، ولا يكترثون لسواها، حتى لو كانت نصوصاً مميزة وجادة؟
محمد زكي ابراهيم