يتحدث، ويكتب، الكثيرون عن الفساد الذي يضرب الاداء(والعقل) السياسي للكتل والشخصيات وادارات الدولة في الحكومة ومجالس المحافظات، لكن القليل من المعالجات تمعن النظر في الفصل الاخطر لهذا الفساد، الموصول بأثاره المجتمعية المدمرة، ويكتفي غالبية الذين يتصدون الى الموضوع بالتعريف الاكاديمي للفساد السياسي الذي وضعه البنك الدولي كونه، وبمعناه الأوسع، إساءة استعمال السلطة العامة (الحكومية) والمحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب، الامر الذي يغيّب (ويضيّع) تلك المعطيات التي افسدت الذمم واستخدمت الآليات الديمقراطية لتزوير ارادة الشعب، وصناعة الثقافة السياسية للفساد، واشاعة الاضطراب الاعلامي بحيث تظهر رؤوس الفساد كدعاة للنزاهة، بل وكمحاربين أشداء للفساد، وينعكس ذلك في ما هو معروف من مصدات و»حصانات» تشريعية للفاسدين السياسيين، أخذا بالاعتبار ان الكثير من بؤر ونشاطات الفساد تدار (بشكل غير مباشر) من سياسيين فاسدين عبر شبكة معقدة من الاتباع ومحترفي النصب واللصوصية والتهريب وغسيل الاموال ووكلاء الشركات والاستثمارات الوهمية.
وهذا ايضا، ليس سوى الوجه الذي يُرى عادة بالمعاينة والتداول.
غير ان الفساد السياسي يشمل ممارسات اخرى، لا تأخذ طريقها الى واجهات الاخبار والمانشيتات، وتتمثل في خلق اجيال محسنة من الفاسدين تتخذ من العمل السياسي وسيلة للوصول الى حلقات خطيرة وحساسة في ادارة الدولة وكابينة السلطة التنفيذية، وفي الاخص منها، ما يسمى بالهيئات المستقلة والادارات التي تتحكم بالمال والاستثمارات والمشاريع، وهي، في سبيل «الصعود» الى تلك المفاصل الخطيرة، وتلميع سيرتها وسمعتها، تدير ماكنة رشوات وإفساد منهجية عبر دعاة سياسيين واعلاميين ودينيين وقانونيين، وايضا (انتباه) عبر عصابات للجريمة المنظمة تقدم خدمات الاختطاف والتهديدات والسطو محسوبة على سياسيين في مواقع السلطة وخارجها..
وفي قصة ذات مغزى جاء ان طفلا
سأل والده: ما معنى الفساد السياسي، فأجابه: لن أخبرك يا بني لأنه صعب عليك في هذا السن، لكن دعني أقرّب لك الموضوع، انا اصرف على البيت لذلك يسمونني مصادر الثروة، وامك تنظم شؤون البيت فهي الحكومة، وانت تحت حمايتها وموضع الخدمة منها فانت الشعب، واخوك الصغير هو املنا فسنطلق عليه اسم المستقبل، اما الخادمة الاجنبية التي عندنا فتمثل القوى الطفيلية، فاذهب يا بني وفكر عساك تصل الى نتيجة، وفي الليل نهض الطفل من نومه قلقاً على صوت أخيه الصغير يبكي فذهب اليه فوجده قد بلّ حفاضته، فحاول أن يخبر امه فوجدها غارقة في نوم عميق، وتعجب أن والده ليس نائما بجوارها، فذهب باحثاً عنه ليجده في غرفة الخادمة، وفي اليوم التالي قال الولد لأبيه: لقد عرفت يا أبي معنى الفساد السياسي، فعندما ينصرف المسؤول الى النوم، تُهدر الثروة، ويصبح المستقبل غارقا في القذارة.
التوحيدي:
«اهدي الى عمر بن عبدالعزيز تفاح لبناني، وكان قد اشتهاه، فردّه، فقيل له: قد بلغك ان النبي كان يأكل الهدية. فقال: إن الهدية كانت لرسول الله هدية، ولنا رشوة».
عبدالمنعم الأعسم